“سيأكلون بعضهم جوعاً”.. سوريون يحذرون من “كارثة وشيكة”

يعيش نحو أربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا وسط خوف عميق، حيث يسابقون الزمن في محاولة لتخزين ما يتبقى من طعام هو قليل في الأصل، قبل 20 يوما من غلق محتمل للمنفذ الوحيد الذي يبقيهم على قيد الحياة.

ويتوقع دبلوماسيون أن تضغط روسيا لإغلاق نقطة العبور التركية الأخيرة في معبر “باب الهوى”، وأنه من المحتمل أن تسعى موسكو، في العاشر من يوليو المقبل، إلى استخدام حق النقض (الفيتو) ضد تمديد قرار مجلس الأمن الدولي 2533، الخاص بدخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود التركية لمناطق شمال غرب سوريا.

ويصف نقيب أطباء ريف حلب، وليد تامر، حجم “كارثة إغلاق معبر باب الهوى بأنها ستكون مذبحة للسوريين بطرق مختلفة غير الأدوات العسكرية”.

يشير إلى أن إغلاق المعبر سيؤثر على منطقة شمال غرب سوريا، التي تحتوي على أربعة ملايين و90 ألف إنسان، يوجد منهم مليون و128 ألف في 1290 مخيم”، وبالتالي “هذه المنطقة أعتقد أنها هي الأكثر اكتظاظا في العالم تقريبا”.

وتعاني المنطقة من ظروف صحية صعبة في ظل تفشي الموجة الثانية من وباء كوفيد-19، ووضع اقتصادي متردٍّ، وكارثي على الصعيد الإنساني.

ويقول تامر: “في ظل هذه الظروف يأتينا الخبر أن الروس سيستخدمون حق النقض (الفيتو) ضد استمرار تدفق المعونات عبر معبر باب الهوى، رغم أنه النافذة الوحيدة التي تدخل منها المساعدات في اتجاه هذه المناطق”.

ففي عام 2014، سمح مجلس الأمن الدوليّ بعبور المساعدات من أربع نقاط حدودية سوريّة مع تركيا والعراق والأردن، للوصول إلى المدنيين على جانبي خطوط القتال، وتوصيل المساعدات.

لكن في يوليو العام الماضي، استخدمت روسيا والصين حق النقض في مجلس الأمن الدولي لتقليص عدد نقاط إدخال المساعدات الإنسانية لسوريا، التي لا تتطلب موافقة دمشق، إلى نقطة واحدة.

وتم حينها استبعاد معبر اليعربية الحدودي مع العراق، الذي حال دون إيصال الإمدادات الصحية الضرورية إلى مناطق سيطرة الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا، التي تعاني أساساً من نقص طبي حاد فاقمه التهديد الذي فرضه فيروس كورونا.

وبقيت النقطة الوحيدة المتبقية عند الحدود التركية، في باب الهوى، ويتيح المعبر إمداد شمال غرب سوريا ومحافظة إدلب، التي لا تزال خارجة عن سيطرة النظام السوري. وينتهي تصريح الأمم المتحدة لاستخدامه في يوليو.

وقال تامر: “ستكون هناك كارثة بمعنى الكلمة وتداعيات كبيرة على الصعيد الصحي والإنساني والاقتصادي، خاصة أننا في ظل ذروة التفشي للموجة الثانية من وباء كورونا، حيث بدأت الأرقام ترتفع حسب منظمة الصحة العالمية، ومعنى غلق المعبر أنه سيكون هناك انهيار كامل للقطاع الطبي الذي يعاني أصلا من نقص كبير في الخدمات والأدوات”.

وعلى مستوى الغذاء، تقول الناشطة واللاجئة السورية في إسطنبول، رشا الخطيب، إن هناك نحو مليون طفل يعانون أساسا حاليا من سوء التغذية، فما بالكم إذا تم إغلاق المنفذ الإنساني الوحيد؟”.

وتقول: “كثيرون سيموتون من الجوع، لأن مئات الآلاف من العائلات تنتظر المعونة حتى تستطيع أن تأكل، أنا رأيتُ بعيني كيف الناس تعيش على المعونة بشكل حصري، ستصبح هناك مجاعة وسيأكل الناس بعضهم بعضا”.

ضغوط دولية
ودعت الأمم المتحدة، الأحد، في بيان، إلى تجديد تفويض مجلس الأمن الدولي للقيام بالعمليات الإنسانية عبر الحدود من تركيا إلى شمال غرب سوريا.

وحذر البيان من أن عدم القيام بذلك سيؤدي إلى إيقاف تسليم الأمم المتحدة للغذاء ولقاحات كوفيد-19 والإمدادات الطبية الضرورية والمأوى والحماية والمياه النظيفة والصرف الصحي وغيرها من المساعدات المنقذة للحياة إلى 3.4 مليون شخص، بما في ذلك مليون طفل.

من جانبه يرى الدبلوماسي السوري السابق، بسام بربندي، ” أن “كل الدول والمنظمات الإنسانية والأمم المتحدة يعملون بالفعل على هذا الموضوع من خلال إصدار بيانات وكيف سيكون الوضع مأساويا إذا لم يستمر فتح هذا المعبر، بالإضافة إلى حثهم على فتح معابر أخرى”.

لكن بربندي لا يرى أن إصدار البيانات يكفي أو أنه الطريق الصحيح من أجل استمرار فتح معبر باب الهوى، “هناك ملايين الناس بعد فترة قصيرة قد يتعرضون لمجاعة، وهي قضية خطيرة تحدث أمام أعين العالم والمجتمع الدولي، وليس هناك أي شيء جدي”.

ويعبر عن استعجابه من عدم التحرك الجدي في هذا الشأن “خاصة وأن العواقب قد تتأثر منها أوروبا… اليوم حجم ما يمكن أن يحدث هو أكبر إنسانيا مما يتم التعاطي فيه بالإعلام”.

ويوضح “إذا ما يتواصل العمل على فتح الممرات الإنسانية، فالعواقب ستكون كثيرة وضخمة، منها أن عددا ضخما من الأشخاص سوف يعانون من مجاعة، وكذلك قد تكون هناك هجرة مرة أخرى بأعداد كبيرة باتجاه الغرب”.

وقال “إصدار بيانات، لا يغير من سياسات الدول، وهذه الطريقة لن تحل مشكلة، أعتقد أن هناك أمرين يجب على الدول المهتمة بهذا الأمر أن تفعلهما، واحدة منها أن يقولوا للروس بشكل علني إنه في حال فشل تمرير مجلس الأمن لقرار العقوبات، سيتم الالتجاء إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة وسيتم طرح الموضوع الإنساني للتصويت أمام كل دول العالم، وإذا حصل على الأغلبية يصير قرار بما يوازي مجلس الأمن”.

وأكد أنه من الضروري أن “يكون هناك تحدٍّ للروس، وأن يكون هناك بدائل للفيتو الروسي الصيني، لأن هذا من شأنه أن يفضح روسيا والصين أمام العالم”، لكنه استبعد أن يحصل أمر من هذا القبيل.

الأمر الثاني الذي يطالب به بربندي أن يكون هناك تخزين للطعام والشراب ضمن الأراضي السورية، بحيث إذا تم إغلاق المعبر، “فعلى الأقل يكون هناك طعام كاف للسوريين داخل الأراضي السورية”.

بانتظار “الكارثة”
يحاول تامر ورفاقه في القطاع الطبي توفير بعض الاحتياطات في المخزون وكذلك توفير بعض المساعدات الغذائية القليلة في الأصل.

وقال تامر نجهر المستودعات حتى تكون بشكل جيد من حيث المخزون لكن مهما احططنا، وأمَّنّا ستصبح هناك كارثة إذا تم الإغلاق، بشكل مستدام، فالقطاع الطبي، على سبيل المثال، يعمل حاليا دون المستوى، وهو في أمس الحاجة لتدفق هذه المساعدات”.

ولذلك فإن تامر هو واحد من الموقّعين على بيان يتم الإعداد للإعلان عنه من خلال مؤتمر سيعقد من إسطنبول خلال الأيام المقبلة، ويقول: “نحاول تنظيم حشد ومناصرة، وجمعنا 45 منظمة دولية ومجتمع مدني تعمل في شمال غرب سوريا، قمنا بصياغة بيان متكامل وأرسلناه لعدة جهات من بينها الأمم المتحدة والسفارات ومنظمات حقوق الإنسان، مفادها أن ما سنشهده هو عبارة عن عملية إبادة أو حصار أربعة ملايين إنسان بشكل غير مسبوق وغير مقبول بأي عرف من الأعراف الدولية”.

الكاتب السوري المقيم في موسكو، محمود الحمزة، يقول” إن “روسيا سابقا عارضت أن تكون هناك أي معابر إلا أن تكون تحت إشراف النظام السوري، والآن تصوت ضد فتح المعابر بحيث تساعد في إحكام سيطرة النظام على المناطق المختلفة”.

لكنه يصف المحاولة الروسية بـ”المهزلة الحقيقية”، لأن النظام لا يسيطر إلا على 17 في المئة فقط من الحدود السورية، “فكيف يتم تسليم المعابر لهذا النظام، هذا مستحيل”.

وتريد روسيا من سعيها “إعادة الشرعية للنظام حيث تريد من كل المساعدات أن تأتي عن طريق دمشق وأن تغلق كل المنظمات الدولية التي تساعد السوريين من تركيا والأردن والعراق وغيرها من الدول، حتى يصبح النظام هو المتحكم في كل أموال المساعدات، وهذا يعني أن هناك أموالاًِ ومساعدات ستصل للنظام الذي سيقوم هو نفسه بالتوزيع من خلال التحكم في المساعدات المالية والغذائية لكل السوريين”، بحسب بربندي.

وتحذر الناشطة الخطيب من أنه “إذا دخلت المساعدات عن طريق النظام السوري، سيسرق المساعدات وسيمنعها عن أمثالي من المعارضين، حيث يصفنا بأننا إرهابيون وجراثيم”، مضيفة أن “النظام السوري يريد أن يأخذ هو المعونات ويعطيها لجيشه ليتغذى حتى يكون قادرا على قتلنا أكثر مما يفعل”.

وكان الروس قد طرحوا إغلاق المعبر بشكل كامل وفتح معابر عن طريق الهلال الأحمر السوري باتجاه هذه المناطق.

لكن تامر استنكر ذلك، قائلا: “كيف يعقل أن النظام الذي قام بإبعاد هؤلاء الناس ووضعهم في المخيمات شمالا من خلال شن عمليات عسكرية متتالية خلال الأعوام الماضية وإجبارهم على العيش بوضع سيء في منطقة جغرافية ضيقة، كيف هو نفسه النظام الذي سيوصل المساعدات؟ هل هذا سيكون منطقياً؟، هذا الشيء لا يمكن تحقيقه على الأرض سواء على الصعيد الشعبي، لأن الناس سترفض هذا الكلام ولن يكون هناك تواجد للهلال الأحمر السوري في هذه المنطقة”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى