“التايمز”: هذا ما حدث في قارب المهاجرين الغارق باليونان

تحدث الناجون عن الإهمال والقسوة التي تعرضوا لها من قبل السلطات اليونانية- جيتي

تحدث الناجون عن الإهمال والقسوة التي تعرضوا لها من قبل السلطات اليونانية- جيتي

نشرت صحيفة “ذا تايمز” البريطانية، تقريرا حول مأساة قارب المهاجرين الذي غرق قبل أيام قبالة سواحل اليونان.

وكشف التقرير الذي أعدته مراسلة الصحيفة لوس كالاهان، كواليس ما قبل غرق القارب، وكيف أهمل خفر السواحل اليوناني مناشدات المنكوبين الذين قضى منهم العشرات، ولا يزال المئات بعداد المفقودين.

وتاليا ترجمة التقرير كاملا:
كانت بعض الأيدي التي أمسكت بكتفي عيّاد وشدّته تحت الماء، صغيرة؛ فقد كان الأطفال الذين يقاتلون من أجل البقاء فوق الماء في البحر البارد يمسكون بأي شيء أمامهم. وعلى عكس عيّاد؛ لم يستطيعوا السباحة.

كان عيّاد قد صعد للسطح بعد أن انقلبت سفينة الصيد، التي يبلغ طولها 100 قدم التي كانوا يستقلونها، وأغرقته تحت الماء. وظلّ المئات في الداخل،  وكانوا مثله؛ لاجئين ومهاجرين في طريقهم من ليبيا إلى إيطاليا. كان حوله مجموعة  كبيرة من الناس، منهم أحياء وأموات، وبالغون وأطفال.

مع اقتراب الناجين منه، شعَر عيّاد، الذي ينحدر من سوريا، البالغ من العمر 24 سنة، بأنه يتعرّض للغرق. وفي هذا السياق، قال لنا بصوت متقطع في مقابلة أجريت في المخيم المؤقت في أثينا، حيث تمّ نقله هو وناجون آخرون: “لقد دفعتهم بعيدا عني وأعتقد أنهم ماتوا”.

لمدة ثلاث ساعات؛ بقي عيّاد وبضع عشرات آخرين، عالقين في البحر، بعد أن غرق القارب على بعد 45 ميلا جنوب غرب شبه جزيرة بيلوبونيز، الواقعة جنوب اليونان. طوال الوقت، كانت الأضواء من سفينة خفر السواحل اليونانية الثابتة القريبة تتلألأ على الماء. لكن لم يساعده أحد، على حد تعبيره.

وفقا لرواية عيّاد، المدعومة برواية أربعة ناجين آخرين، أجروا مقابلات مع صحيفة صنداي تايمز، لم يرسل خفر السواحل اليوناني المساعدة لمدة ثلاث ساعات على الأقل بعد انقلاب القارب: أي من حوالي منتصف ليلة الأربعاء الماضي حتى ظهرت أشعة الشمس الأولى. وأكّد عياد: “لقد فضلوا مشاهدتنا ونحن نغرق”. وأضاف قائلا: “كان بإمكانهم إنقاذ الكثيرين”.

Image1_6202318221449614052006.jpg
كان عياد والرجال الأربعة الآخرون الذين تحدثوا إلى صنداي تايمز يائسين لسرد قصتهم. وتعتبر روايتهم هي أول رواية متعمقة للناجين تُنشر لما حدث ليلة 13 حزيران/يونيو، عندما غرق مئات الأشخاص القادمين من دول من بينها سوريا وباكستان وفلسطين ومصر.. وهي إحدى أكثر الأحداث المأساوية التي شهدتها البحار الأوروبية في السنوات الأخيرة.

تحدث الناجون عن الإهمال والقسوة التي تعرضوا لها من قبل السلطات اليونانية، لكن أقوالهم تتناقض بشكل مباشر مع الرواية الرسمية للأحداث.

لم يدّع عياد والناجون الآخرون أن خفر السواحل شاهدوا الناس يغرقون فحسب، بل ألقوا باللوم عليهم في التسبب في انقلاب السفينة، عن طريق ربط حبل في مقدمة السفينة وجرّها إلى الأمام؛ مما أدى إلى ميلان سفينة الصيد.

لم يقتصر الأمر على الناجين الذين قابلتهم صحيفة “صنداي تايمز” الذين ادعوا هذه المزاعم،  فقد روى أحد الناجين الذي نُشرت روايته من قبل  صحيفة “لاريبابليكا”  الإيطالية، والسياسي الذي تحدث إلى صحيفة “كاثميريني” اليونانية (التي نشرت نقلا عن ناج آخر) قصصا مماثلة.

اقرأ أيضا:

ونفى المتحدث باسم خفر السواحل اليوناني، نيكوس أليكسيو، قيامهم “بأي تحرّك” يمكن أن يعرض المهاجرين للخطر. وأضاف المتحدث، مُعربا عن غضبه من  هذه المزاعم: “لم يكن هناك أي  جهود لسحب القارب”. وأضاف المصدر ذاته: “اقتربنا وربطنا القارب لمدة خمس دقائق في محاولة للتواصل والتحدث معهم.  لكنهم فكوا الحبال وألقوا بها. لا أعرف من هم هؤلاء الناس وماذا يقولون، لكن حتى بعد غرق القارب، لم نرهم في البحر لمدة ثلاث ساعات.. لقد تحرّكنا بشكل فوري.. هذا هراء.. أنقذ خفر السواحل اليوناني آلاف الأرواح وشاركنا في مئات العمليات. إن هذه الادعاءات الموجهة إلينا هي محض أكاذيب”.

في سياق متصل؛ أوضح عيّاد: “اتصل بنا الإيطاليون لإخبارنا بوجود سفينة قريبة منا التي ستحضر لكم بعض الطعام”. وأضاف قائلا: “وقالوا إن السلطات اليونانية سترسل زورقا آخر، علينا أن نتبعه أيضا”.
وصلت سفينتان كبيرتان خلال فترة ما بعد الظهر؛ سفينة شحن مالطية وسفينة شحن يونانية. وقام أحدهم بإلقاء عبوة كبيرة من الطعام في البحر، فسبح عدد من الأشخاص لالتقاطها وجلبها إلى السفينة.

وفقا للسلطات اليونانية؛ اقتربت سفينة أرسلها خفر السواحل اليوناني- بحلول الساعة 22.40 من ذلك المساء – من سفينة الصيد، وألقت الحبال على قضبانها في محاولة للاقتراب من القارب المنكوب دون أن تصطدم به. لكن المهاجرين رموا الحبال بعد خمس دقائق أو نحو ذلك، رافضين المساعدة.

يقول الناجون الذين قابلناهم؛ إن “سفينة خفر السواحل اليونانية ربطت حبلا على مقدمة سفينة الصيد، وحاولت جرّها، ثم انقطع الحبل. فربطوا آخر، وبدؤوا في التحرّك إلى الأمام، قبل أن يستديروا بشكل مفاجئ يسارا ثم يمينا. وأكّدوا أن هذه الحركة تسببت في اهتزاز القارب بشدة للأمام والخلف ثلاث مرات قبل أن ينقلب”.

كان عيّاد يقف على ظهر السفينة. وفي لحظة؛ وجد نفسه تحت الماء، ممسكا بشيء – يعتقد أنه كان المدخنة – وكان محاصرا بالماء. تمكّن بعد عدة محاولات من الصعود إلى سطح البحر.

أصرّ عياد رفقة الناجين الآخرين الذين قابلناهم، على أن سفينة خفر السواحل اليونانية بقيت بالقرب منهم لساعات، دون أن تتخذ أي إجراء لمساعدتهم، وهو ما نفته السلطات بشدة.

وقال عياد؛ إنه “بعد ثلاث ساعات، بدأت قوارب صغيرة من السلطات اليونانية بالوصول، وتم انتشالهم من البحر”، وأضاف أن “رجال الإنقاذ ضربوهم على متن القارب الصغير”. وتابع قائلا: “كانوا يصرخون علينا حتى نصمت، وكانوا يضربوننا بأطواق النجاة”. وأكد عياد أنه “تعرّض للضرب على عينه على يد خفر السواحل، وليس جراء غرق السفينة نفسها”.

لقي اثنان من أصدقائه الذين سافر معهم حتفهم، فقد كان عياد واحدا من 104 أشخاص، جميعهم من الرجال. وتتراوح تقديرات عدد الأشخاص الذين كانوا على متن السفينة من 400 إلى 750، على الرغم من مشاركة العائلات حوالي مائة اسم فقط على مواقع التواصل الاجتماعي.

ونشرت عائلات المفقودين، من جميع أنحاء العالم، رسائل عبر الإنترنت للبحث عن آبائهم وأمهاتهم وأبناء أعمامهم وبناتهم المفقودين. في هذا الصدد، أوضح عبد الله غانم، البالغ من  العمر 30 سنة، أن آخر مرة سمع فيها عن ابني عمه البالغين من العمر 19 سنة، كانت قبل يومين من استقلال القارب المتوجه إلى إيطاليا.

وصرح من منزله شمال القاهرة: “أخبروني أنهم على الأرجح سيستقلون القارب يوم الخميس”، وأضاف قائلا: “كانت هذه آخر مكالمة. كان إسلام وسيّد يعملان كخياط وميكانيكي، على التوالي، ويكسب كل منهما أقل من 90 جنيها إسترلينيا في الشهر”.

وبخصوص هذا؛ أوضح غانم “أن الوضع صعب للغاية هنا، فقد اقترضوا أموالا من عائلاتهم وأصدقائهم ودفعوا للمهربين أكثر من 3200 جنيه إسترليني لكل منهما، مقابل الوصول إلى حياة جديدة”.

في الوقت الراهن، يقضي غانم وعائلات أبناء عمومته أيامهم في البحث عن مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر أسماء وصور إسلام وسيد، على أمل أن يكونوا قد نجوا. وتابع قائلا: “لا أستطيع أن أخبرك بما يشعر به آباؤهم الآن. إنه حقا لشيء يفطر القلب”.

من ميلانو؛ قال حسن درويش، البالغ من العمر 22 سنة؛ إن “آخر مرّة تلقى اتصالا من ابن عمه المصري علي الصادق، البالغ من العمر 23 سنة، كانت يوم الخميس الماضي”. وأردف درويش: “أخبرني أنه إذا انقطع الاتصال بالإنترنت، فسيكون في عرض البحر، وقد غادر القارب في تلك الليلة. ومنذ ذلك الحين لم أسمع عنه أي أخبار”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى