بعد النفط مقابل الأمن.. مناورات سعودية أمريكية لتحديث الصفقة
بعد صفقة النفط مقابل الأمن التي حددت لعقود مسار العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة، يناور البلدان لتحديث الصفقة بما يعيد التوازن إلى علاقتهما الثنائية، لاسيما في ظل رغبة المملكة في انتهاج سياسة خارجية أكثر استقلالية.
ذلك ما خلص إليه جيمس دورسي، كبير الباحثين في كلية “إس راجاراتنام” للدراسات الدولية التابعة لجامعة “نانيانغ” التكنولوجية بسنغافورة، في تحليل بموقع “مودرن دبلوماسي” الأمريكي (Modern diplomacy)
وأضاف دورسي أن “مشروع قانون في مجلس النواب الأمريكي من شأنه تجريد رابطة لاعبي الجولف المحترفين (PGA Tour)، المنظمة لأحداث الجولف الرئيسية، من حالة الإعفاء الضريبي بسبب اندماجها مع منافس تدعمه السعودية (LIV Golf)، ما يسلط الضوء على مآزق الجهود الأمريكية والسعودية لإعادة التوازن إلى العلاقات الثنائية”.
وفي 6 يونيو/ حزيران الجاري، أعلن كل من صندوق الاستثمارات العامة السعودي ورابطة لاعبي الجولف المحترفين (PGA Tour) وجولة موانئ دبي العالمية (DP World Tour) عن اتفاق تاريخي لدمج جهودهم لإيجاد أكبر كيان في لعبة الجولف على مستوى العالم، على أن يترأسه محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي ياسر الرميان.
وتابع دورسي: “وكذلك فعلت تصريحات وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في نهاية زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين للمملكة الأسبوع الماضي، حيث حددت معايير انخراط الدولة الخليجية مع الولايات المتحدة مستقبلا”.
واستطرد: “ولتأكيد هذه النقطة، استقبل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (تفرض عليه واشنطن عقوبات) في المملكة قبل يوم من وصول بلينكن إلى المملكة، واتصل بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين (منافس استراتيجي للولايات المتحدة) بعد ساعات من اجتماعه مع بلينكن، وبعد يومين، استضافت المملكة مؤتمر الأعمال الصيني العربي”.
وقال دورسي إن ما يجعل صفقة الجولف مثيرة للجدل هو أن صورة السعودية في أذهان الكثيرين لا تزال مرتبطة بمقتل الكاتب السعودي جمال خاشقجي في فنصلية بلاده بمدينة إسطنبول عام 2018، إضافة إلى أن 15 سعوديا كانوا بين المنفذين الـ19 لجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص في نيويورك وواشنطن. ونفت الرياض مرارا أي صلة بها بتلك الهجمات.
مركز ثقل جديد
و”تهدف المناورات الأمريكية والسعودية إلى إيجاد مركز ثقل جديد في العلاقات التي من شأنها أن تحل محل صفقة عمرها عقود ضمنت وصول الولايات المتحدة إلى النفط السعودي في مقابل دفاع واشنطن عن السعودية ضد التحديات الخارجية”، وفقا لدورسي.
وتابع أن “هذه الصفقة تحتاج إلى تحديث. لا تزال أسعار النفط مهمة، لكن الولايات المتحدة، أكبر منتج في العالم، لم تعد تعتمد على واردات النفط السعودية. كما أن الجهود (الأمريكية) لمواجهة الصين (منافس استراتيجي) تؤثر على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
ووفقا لمراقبين، ورغم نفي الولايات المتحدة، تراجع الشرق الأوسط في أولويات واشنطن لصالح مواجهة نفوذ الصين المتصاعد في منطقة المحيطين الهندئ والهادئ والتصدي لغزو روسيا لجارتها أوكرانيا منذ 24 فبراير/ شباط 2022.
وأردف دورسي: “من جانبها، ترى السعودية، التي أجرت إصلاحات اجتماعية واقتصادية قام بها بن سلمان ومسلحة بمالية ضخمة، فرصة لرسم مسار أكثر استقلالية ووضع نفسها في عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد حيث تمتلك القوى الوسطى نفوذا أكبر”.
وضمن هذا المسار، استأنفت السعودية علاقتها الدبلوماسية مع إيران، ما أنهى قطيعة استمرت سبع سنوات، وذلك عبر اتفاق وقَّعه البلدان بوساطة الصين في 10 مارس/ آذار الماضي.
واستدرك دورسي: “ومع ذلك، لا تزال المملكة بحاجة إلى الجيش الأمريكي لضمان تدفق النفط من الخليج، مع عدم رغبة الصين أو روسيا في تولي هذا الدور أو عدم قدرتهما على ذلك”.
وزاد بأنه “نتيجة لذلك، فإن المناورات الأمريكية السعودية هي محاولة لإعادة تحديد ميزان القوى في العلاقة.. في الحرب الباردة (بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي 1949-1991 )، اعتمدت واشنطن إلى حد كبير على السعوديين لدعم مبادراتها الاستراتيجية الكبيرة، وعندما انتهت الحرب، لم يكن لدى السعوديين الكثير من الخيارات (غير الارتباك بواشنطن)”.
غير أن الباحث في شؤون الخليج جريجوري غوز قال إن السعوديين “الآن لديهم خيارات، وقد انتهت فترة القطبية الأحادية الأمريكية بشكل أساسي، والسعوديون يفهمون ذلك ويرون خيارات أخرى”.
أوراق بن سلمان
وبحسب دورسي فإنه “في إعادة تعريف علاقة السعودية بالولايات المتحدة ومكانتها في الصدارة العالمية، يمتلك بن سلمان أوراقا يلعب بها ورؤية واضحة للمكان الذي يريد أن تكون فيه مملكته، وعلى النقيض تكافح الولايات المتحدة للتصالح مع عالم متعدد الأقطاب حيث تكون لاعبا أقل هيمنة”.
وأردف: “تضاعف (حجم) اقتصاد السعودية من خلال الاعتماد على عائدات النفط، وحلت الصين محل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة باعتبارها الشريك التجاري الأول للمملكة، لكن لا تزال العلاقات الاقتصادية السعودية مع الولايات المتحدة مهمة، مع 55 مليار دولار في التجارة والاستثمارات”.
وفي إشارة إلى الفجوة مع الكونجرس التي تحتاج السعودية إلى سدها، قال السناتور الديمقراطي كريس مورفي مؤخرا أن “أي استراتيجية في الشرق الأوسط مبنية على افتراض أن السعودية ستكون شريكا ثابتا وموثوقا به محكوم عليها بالفشل، فسيعمل السعوديون معنا أحيانا وضدنا أحيانا، وكلما أدركنا ذلك مبكرا، كان ذلك أفضل”.