“صندوق باندورا”.. خطة الكرملين لـ”تأميم” أصول الشركات الغربية

 

تعتزم روسيا إقرار صلاحيات جديدة تسمح بمصادرة أصول شركات غربية وعرقلة خروجها من البلاد، وذلك في ظل مساعي الرئيس فلاديمير بوتين للرد على العقوبات الأميركية والأوروبية، بحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

وقالت الصحيفة، في تقرير الخميس، إن الكرملين أمر سراً، الأسبوع الماضي، بسن تشريع يسمح بـ”الاستيلاء” على أصول شركات غربية بأسعار متدنية، وأنه ناقش تبني إجراءات أكثر حدة بهدف “تأميم” هذه الشركات بشكل كامل، وفقاً لما نقلته عن أشخاص مطلعين على المداولات، لم تكشف هويتهم.

وأضافت المصادر أن فريق الرئيس فلاديمير بوتين يرغب في أن يكون التهديد بتأميم الشركات الغربية جزءًا من سياسة “العصا والجزرة” بحيث تتم معاقبة الدول الغربية التي تصادر الأصول الروسية ومكافأة أولئك الذين يلتزمون بقواعد الكرملين.

ووفقاً للصحيفة، فإن “مرسوم الكرملين السري”، الذي اطلعت عليه، سيمنح الدولة الروسية حق الأولوية في شراء أي أصول غربية معروضة للبيع “بخصم كبير” يمكنها من تحقيق ربح في حال قررت بيعها مرة أخرى.

وأضافت: “كما يتطلب الأمر الذي أصدره بوتين إلى مجلس وزرائه، والذي تم التوقيع عليه الأسبوع الماضي، أن يكون جميع مشتري الأصول الغربية روساً بشكل كامل واستبعاد جميع المساهمين الأجانب، مما يزيد من تعقيد أي إجراءات للخروج من البلاد”.

وبموجب المعايير الحالية، التي تم الإعلان عنها في ديسمبر الماضي، فإنه يتعين على الشركات الغربية منح المشترين الروس خصماً لا يقل عن 50% من قيمة الأصل، وتقديم مساهمة “طوعية” تتراوح بين 5% – 10% من سعر الصفقة إلى ميزانية الدولة.

“شركات مشاغبة”
من جانبه، قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، لـ”فاينانشيال تايمز” إن المستثمرين والشركات الغربية “موضع ترحيب كبير” في روسيا، ولكنه أشار إلى أن هناك بعض الشركات التي توقفت بشكل كامل عن دفع الرواتب أو قررت ببساطة مغادرة البلاد بخسارة فادحة.

وأضاف: “في حال لم تف الشركة بالتزاماتها، فإنها بالطبع ستدخل في فئة الشركات المشاغبة، وسنقوم بتوديع تلك الشركات، وما نفعله بأصولهم بعد ذلك هو أمر خاص بنا”.

وفي نهاية أبريل الماضي، قال الرئيس الروسي إن بلاده مستعدة للعمل مع الشركات العالمية التي تريد التعاون مع روسيا.

وأضاف بوتين في حديثه إلى المشرعين، أن روسيا لن تلجأ إلى عزل نفسها ذاتياً، ولكنه أكد ضرورة “التحرك بسرعة، والتصرف بوضوح وكفريق واحد متماسك، لمواجهة العدوان الاقتصادي الغربي”.

وأشار بوتين إلى أن موسكو “ستوسع علاقاتها مع دول في أوراسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا”.

“صندوق باندورا”
ونقلت الصحيفة عن بعض الأشخاص المنخرطين في إجراءات خروج الشركات الغربية من روسيا قولهم إن خطوة الكرملين هذه “تفتح صندوق باندورا” (صندوق الشر المطلق الذي أخرج كل شرور البشرية للعالم وفقاً لإحدى الأساطير الإغريقية) الذي سيعزز حتماً سيطرة الدولة على الاقتصاد.

ويقول رجل أعمال بارز يمر بعملية بيع أصوله في روسيا، لم تكشف الصحيفة عن هويته: “أعتقد أن التأميم بات أمراً وشيكاً، والأمر مسألة وقت فقط، وذلك لأن الدولة ستحتاج إلى المال”.

وأعرب رجل الأعمال، الذي قال إنه يخطط “للتسلل عبر النافذة” قبل بدء عملية التأميم، عن اعتقاده بأن الشركات التي تقدم السلع ستكون الأكثر تضرراً، حيث يبحث الكرملين عن مزيد من السبل للاستفادة من عائدات التصدير لضمها إلى الميزانية، ولكن شركات التكنولوجيا ستكون أقل تأثراً لأنه “يصعب إدارتها”.

وكانت دائرة بوتين المقربة قد ناقشت مسألة تأميم الشركات الغربية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا العام الماضي، ولكنها حتى الآن لم تستخدم مثل هذه الصلاحيات إلا في حالات نادرة.

في أبريل الماضي، استحوذت روسيا على الشركات المحلية التابعة لشركتي “Fortum” الفنلندية و”Uniper” الألمانية، رداً على ما وصفته بـ”المصادرة غير القانونية للأصول الروسية في الخارج”.

مراقبة الأصول الروسية
ولفتت “فاينانشيال تايمز” إلى أنه من أجل تقرير ما إذا كان سيتم توسيع مثل هذه الصلاحيات عبر الآلاف من الشركات الغربية الأخرى، سيراقب الكرملين ما سيحدث لأصول البنك المركزي الروسي المجمدة في الغرب والتي تبلغ حوالي 300 مليار يورو (324 مليار دولار).

ويشعر المسؤولون الاقتصاديون الروس بالقلق من فقدان الدور الحاسم الذي تواصل الشركات الغربية لعبه في العديد من قطاعات اقتصاد الدولة، ولكن في نفس الوقت، يحرص الكرملين على إيجاد مصادر جديدة للدخل من أجل الميزانية وسط انخفاض إيرادات صادرات الطاقة، والإنفاق العسكري المرتفع، مما أدى إلى تزايد عجز الميزانية إلى 42 مليار دولار حتى الآن خلال هذا العام.

وقالت مصادر الصحيفة إن محافظة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيولينا، كانت من بين أقوى الأصوات التي ضغطت من أجل الحد من خروج الشركات الغربية، فضلاً عن تحذيرها من خطر التأميم.

ويشعر البنك المركزي بالقلق من أن خروج رأس المال الأجنبي يمكن أن يضعف الروبل ويحد من الخيارات أمام المستثمرين الروس، لكن المصادر أضافت أن وزير المالية، أنطون سيلوانوف، يؤيد خروج الشركات كوسيلة لجني المزيد من الإيرادات للميزانية.

“تغييرات إضافية”
ولم يرد البنك المركزي الروسي على الفور على طلب الصحيفة الحصول على تعليق، فيما قالت وزارة المالية في موسكو إن إجراءات خروج الشركات “تتم بالشكل المعتاد” لكنها أضافت أنه “قد تكون هناك تغييرات إضافية لبعض الصفقات الفردية”، دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

ووفقاً لمرسوم بوتين السري الجديد، فإن سيتعين على المالكين الجدد طرح 20% من الأصول في سوق الأسهم الروسية، وهي خطوة كانت نابيولينا قد قالت إنها مطلوبة من أجل منح مستثمري التجزئة في البلاد مزيد من الأماكن لوضع أموالهم.

ونقلت الصحيفة عن رجل أعمال غربي كبير في موسكو، لم تكشف عن هويته، قوله إن “الدولة الروسية، بشكل عام، لا تريد مغادرة المستثمرين، بل على العكس من ذلك، فهي تريد جعل المغادرة أمراً غير مرغوب فيه بشكل أكبر بالنسبة لهم، فما يريدونه هو تشجيع السلوك الجيد”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى