المصالحة بين مصر وتركيا.. “زيارة مفاجئة” تؤجل المحادثات

في وقت تسير فيه كل من مصر وقطر بخطى ثابتة نحو تحسين العلاقات بينهما، وصلت حد الدعوات المتبادلة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والشيح تميم بن حمد لزيارة دولهما، يبدو أن خطوات المصالحة بين القاهرة وأنقرة تتعرقل.

فقد ذكرت تقارير صحفية أن اللقاءات التي كانت مقررة بين الجانبين تأجلت، وذلك بعد أيام من حديث تلفزيوني لوزير الخارجية المصري سامح شكري قال فيه إن القاهرة تقيم السياسات التركية بناء على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والاحترام المتبادل.

لكن مستشار الرئيس التركي، ياسين أقطاي، انتقد قرار قضائي مصري، صدر الاثنين الماضي، لتأييد أحكام إعدام 12 من الأعضاء البارزين بالإخوان المسلمين، متسائلا: “مشاهد الإعدام الجماعية إلى أين ستقود مصر؟”

إلا أن رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات، سمير غطاس، أرجع تأجيل الاجتماعات بين الدولتين إلى مجموعة من الأسباب، على رأسها الزيارة المفاجئة إلى طرابلس التي قام بها كل من وزراء الدفاع والداخلية والخارجية التركيين بالإضافة رئيس جهاز المخابرات ومدير الاتصالات الرئاسية “دون إعلام الجانب الليبي”.

كما تحدث عن عدم رحيل القوات التركية والمرتزقة الأجانب والميليشيا الأجنبية التي تعمل على الأراضي الليبية لصالح أنقرة.

وقال “: “هذا يؤشر إلى توتر أكبر في العلاقة بين القاهرة وأنقرة بسبب ليبيا التي أصبحت تقريبا تحت الوصاية التركية بمباركة دولية”.

ويعتقد غطاس أن هذه التطورات ستؤثر على الوضع في ليبيا، قائلا: “مصر تعتقد أن هذا المناخ سيؤثر بشدة على الانتخابات الليبية المزمع إجراؤها في 24 ديسمبر المقبل، وقد تؤول السلطة إلى أطراف حليفة لتركيا مما يؤثر على العلاقات بين القاهرة وطرابلس”.

وفي المقابل استبعد الخبير الاستراتيجي التركي جواد غوك أن تكون الزيارة المفاجئة الأخيرة لوزراء تركيا سببا في تأجيل اللقاءات بين الطرفين.

وبعد حوالي أسبوع من الزيارة التركية الوزارية المفاجئة إلى ليبيا، قام رئيس المخابرات المصرية عباس كامل بزيارة طرابلس، وانتشرت صور رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة الذي يقود حكومة وحدة وطنية جديدة، ووزير داخليته وهما يتجولان برفقة كامل في ميدان الشهداء بالعاصمة.

ويلاحظ غطاس عودة مصر إلى الحديث عن علاقاتها القوية برجل شرق ليبيا القوي المشير خليفة حفتر، الذي زاره كامل، حاملا معه رسالة من السيسي تشيد بـ”جهود” القوات الموالية لحفتر والمعروفة باسم “الجيش الوطني الليبي”.

وهذا يعني، في نظر غطاس، “أنه لا يمكن إهمال دور مصر في ليبيا أو تهميشه من قبل تركيا”.

ويرى غطاس أن “الوضع الليبي قضية مهمة جدا للسياسة المصرية، ولا يمكن التهاون فيها خاصة وأن القاهرة كانت تعتقد أن تفاهماتها التي جرت مؤخرا مع تركيا ستنعكس على الوضع (في ليبيا) لكنها تكتشف الآن أن تركيا تتعامل مع ليبيا باعتبارها ضمن الولايات العثمانية الجديدة”، مشيرا إلى دعوة إردوغان لأذربيجان للاستثمار في النفط في ليبيا.

وكانت وسائل إعلام تركية وليبية نقلت أن إردوغان عرض على إلهام علييف رئيس أذربيجان التنقيب عن النفط في ليبيا بالتعاون مع تركيا.

وتوترت علاقات تركيا بمصر بسبب قضايا عدة، من مواقف متعارضة تجاه الإسلام السياسي والصراع الليبي وشرق البحر المتوسط.

لكنها سعت جاهدة، في الشهور القليلة الماضية، إلى إصلاح العلاقات مع القاهرة التي أرسلت إليها وفدا لإجراء محادثات، وأجرى وزير خارجيتها جاويش داود أوغلو مكالمة هاتفية مع نظيره المصري.

وفي وقت سابق من يونيو الجاري، قال إردوغان لقناة (تي.آر.تي) الإخبارية: “لدينا إمكانات كبيرة للتعاون مع مصر في نطاق واسع من المجالات من شرق البحر المتوسط إلى ليبيا”.

وأضاف أنه “يحب” الشعب المصري “وبالتالي فإننا مصممون على استئناف هذه العملية”.

وفي إطار هذه المساعي، عقد وفد تركي محادثات مع مسؤولين مصريين في القاهرة، أواخر مايو الماضي، في أول اتصال مباشر بين القوتين الإقليميتين المتنافستين منذ سنوات، بعد خلاف نجم عن إطاحة الجيش المصري عام 2013 الرئيس محمد مرسي المنتخب ديمقراطيا والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، والذي كان مقربا من إردوغان.

ويشير غطاس إلى خلافات شائكة أخرى لا تزال عالقة بين الطرفين وهي “العلاقة مع الإخوان، وترسيم الحدود البحرية”.

وعن السبب الذي يجعل أنقرة تتراجع عن مساعيها بإتمام المصالحة مع مصر، قال غطاس: “تركيا تمتلك مشروعا توسعيا إمبراطوريا جديدا، يشمل المنطقة كلها، هي فشلت في الدخول إلى الاتحاد الأوروبي فاستدارت إلى العالم العربي، ومصر كانت العقبة الأساسية (…) هي تريد أن تتمدد عربيا”.

ووصف غطاس المساعي التركية الأخيرة لإصلاح العلاقات مع قوى إقليمية بـ”علاقات تكتيكية”، نتيجة أزمات تركيا المالية ومع القوميات والعلاقة مع الولايات المتحدة، “فاضطرت لاتخاذ انحناءة تكتيكية حتى تمر هذه الظروف، وتعود لوضعها السابق”، على حد قوله.

ولا تزال العملة التركية، وهي الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة هذا العام، منخفضة 11 في المئة منذ بداية 2021.

وتراجعت الليرة 16 في المئة منذ منتصف مارس، بعدما أقال إردوغان رئيس البنك المركزي بشكل مفاجئ وعين مكانه آخر اشتهر في السابق بانتقاده لرفع أسعار الفائدة في الآونة الأخيرة.

وقد هوت احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي 75 في المئة العام الماضي، مثيرة بواعث قلق من أزمة في ميزان المدفوعات.

وفي هذا السياق، يقول غوك” إن سبب تأجيل الاجتماعات بين القاهرة وأنقرة هو انشغال الحكومة التركية بالفساد المالي والإداري الداخلي، وقمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) وزيارة أذربيجان”.

وأضاف غوك “الحكومة التركية تدرس مطالب مصر، وتحاول أن تفسح مجالا وتكسب وقتا لمفاوضات تكون لها اليد العليا فيها”.

ويعتقد غوك أن الحكومة التركية سوف تخطو خطوات عملية من أجل إتمام المصالحة “وتدرس خسائرها وفوائدها”، قائلا: “قضية ليبيا سهلة مقارنة بالخلافات المباشرة بين البلدين”.

وتحدث غوك عن اتفاق بين الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره إردوغان، خلال اجتماعهما في وقت سابق من هذا الأسبوع، على أن تقوم تركيا بدور رئيسي في تأمين مطار كابل مع انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان، “وتنقل بموجبها المرتزقة السوريين من ليبيا إلى أفغانستان”.

وأشار إلى أنه من المحتمل أن تنتقل القوات التركية أيضا من ليبيا إلى أفغانستان.

ويشير الخبير التركي إلى أن المطالب الصعبة تتمثل في تسليم تركيا لعناصر إخوانية مطلوبين للعدالة في مصر، ووقف وسائل الإعلام المعارضة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى