المجلس الأطلسي يكشف سبيل أمريكا الوحيد لكسر التصعيد مع إيران
سلط الزميل في مؤسسة “المجلس الأطلسي” البحثية، سي أنتوني بفاف، الضوء على كيفية كسر الولايات المتحدة للتصعيد المستمر مع إيران استنادا إلى واقع الصراع الإقليمي بين البلدين وحلقات تصعيده السابقة، مشيرا إلى تدابير استباقية ضرورية لواشنطن على هذا الصعيد.
وذكر بفاف، في تحليل نشره موقع “المجلس الأطلسي” وترجمته “الامة” ، أن الميليشيات العراقية المدعومة من إيران شنت، في 23 مارس/آذار، هجوما بواسطة طائرة مسيرة، أسفر عن مقتل مقاول أمريكي وجرح آخر، بالإضافة إلى إصابة 24 من العسكريين الأمريكيين، في تكرار لحادثة وقعت في ديسمبر/كانون الأول 2019 وأسفرت أيضًا عن مقتل مقاول أمريكي.
وتسببت ذلك في دورة تصاعدية من العنف، حيث أسفرت ضربة أمريكية عن مقتل، قاسم سليماني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، وزعيم كتائب حزب الله العراقي، أبو مهدي المهندس.
وانتهت الدورة التصعيدية عندما قامت إيران بإطلاق صواريخ على القوات الأمريكية في قاعدة عين الأسد العراقية، ولم تتسبب الصواريخ في وقوع خسائر بشرية، ما أدى إلى تخفيف الحاجة لرد أمريكي.
وردا على الهجمات الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بشن ضربات في اليوم التالي على مرافق الحرس الثوري الإيراني، وذكرت التقارير أنها أسفرت عن مقتل 19 شخصًا، بما في ذلك 3 جنود سوريين و16 عضوًا في الميليشيات المدعومة من إيران التي تعمل في سوريا.
وفي 25 مارس/آذار، قام المتمردون بشن هجوم آخر على قاعدة تضم قوات أمريكية، لكن لم تقع خسائر بشرية.
كما قامت الميليشيات المدعومة من إيران بشن هجوم آخر على قاعدة قرب حقل الغاز كونوكو، ما تسبب في بعض الأضرار المادية، لكنه لم يؤدي إلى وقوع أي خسائر بشرية.
وردت الولايات المتحدة مرة أخرى بضربات وقامت بنشر حاملة طائرات في البحر الأبيض المتوسط كترسانة إضافية للردع.
وهكذا انتهت، على ما يبدو، دورة تصاعدية أخرى حيث تم إطلاق صواريخ وتشغيل طائرات مسيرة وإلقاء قنابل.
ومع ذلك، لم يكن هذا التبادل التصعيدي هو الوحيد، ففي الواقع، تم تنفيذ ما يقرب من 80 هجومًا على قوات الولايات المتحدة منذ عام 2021.
وفي حين يجب على الولايات المتحدة الرد عندما يهاجم إيران ووكلاؤها، فإنه كيفية القيام بذلك بطرق تفيد ولا تؤذي ليست واضحة دائما.
ففي عام 2020، أثار الرد الأمريكي احتجاجات ضد الولايات المتحدة تطالب بطرد قواتها وشملت هجومًا على السفارة الأمريكية في بغداد، ما أجبر على إجلاء معظم موظفيها.
وفي الذكرى السنوية الأولى لوفاة سليماني، تعرضت السفارة مرة أخرى لقصف بالصواريخ، مما أسفر عن مقتل جندي عراقي يحرسها.
ويصف بفاف هذه الديناميكية بأنها النسخة الاستراتيجية لـ “coddiwomple”، والتي تعني السفر بغية الوصول إلى وجهة غامضة، مشيرا إلى أن ذلك “قد يكون جيدًا لبعض أنماط الحياة، ولكنه ليس طريقة لإدارة السياسة الخارجية”.
خيارات محدودة
وأكد بفاف أن رد الفعل العسكري الأمريكي ضد هجمات إيران “قد يمثل طريقًا للمضي قدمًا، لكن ليس من الواضح إلى أين”، مشيرا إلى أن خيارات الولايات المتحدة في هذا الإطار باتت محدودة.
ففي الوضع الراهن، حيث تنخرط الولايات المتحدة في تبادل تصعيدي مع إيران ووكلائها، على أمل أن تستسلم الأخيرة، يعمل ضد مصالح الولايات المتحدة، حسبما يرى بفاف.
وأوضح أن الولايات المتحدة تتفوق على هذه الجماعات، لكن المعركة تدور في الفناء الخلفي لوكلاء إيران، وبالتالي فإن المخاطر بالنسبة للقوات الأمريكية أكبر بكثير.
وأضاف أن السمة المميزة للتصعيد بين قوة قوية وأخرى ضعيفة هي أن التصعيد يحفز القوة الضعيفة للمقاومة، وفي ظل هذه الظروف، من المرجح أن تتنازل الولايات المتحدة قبل أن تفعل إيران، خاصة أن طهران تعرف أن الولايات المتحدة لن تصعد إلى حرب تقليدية نظامية.
وإزاء ذلك، يمكن أن تحاول الولايات المتحدة فرض تكاليف على إيران بوسائل غير عسكرية، كما يمكنها دعم جهود الحكومة العراقية للسيطرة على المليشيات المدعومة من طهران، لكن هذا الأسلوب لم يكن له أي تأثير رادع حتى الآن.
فكلما حاولت الحكومة العراقية ممارسة مثل هذه السيطرة، فإنها تفشل في العادة، وغالبًا ما يكون ذلك بتكلفة كبيرة.
وحتى عندما تنجح جهود احتواء الميليشيات، خاصة بعد أن تعرضت الأحزاب المدعومة من إيران للهزيمة الانتخابية في عام 2022، فإنها قادرة على استغلال المؤسسات العراقية الضعيفة، مثل المحكمة العليا، للحفاظ على قبضتها المهيمنة.
ويلفت بفاف إلى أن تحقيق استراتيجية الردع يعتمد على اعتقاد الخصم بأنه سيكون أسوأ حالا عند تنفيذ التهديد الردعي، لكن “إيران لا تعتقد أن الولايات المتحدة ستتصعد إلى درجة تجعل فيها إيران بحالة أسوأ مما لو لم تستمر في استفزازاتها” حسبما يرى بفاف.
وبالتالي، يتطلب أي مسار ردعي أمريكي إقناع الإيرانيين بأنهم قد تخطوا الحدود، مع تهيئة مسار أقل كلفة للجانبين من الوضع الحالي، ولكن يسمح لكل منهما بمتابعة مصالحهما. ويقر بفاف بأن الوصول إلى تلك النقطة قد يكون صعبًا، “لكن التطورات الأخيرة قد توفر بعض الفرص لتغيير الديناميكية الحالية” حسب رأيه، مشيرا إلى أن “الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تكون استباقية نشطة بدلاً من أن تكون رد فعلية”.
ويوضح بفاف أن التفاعل الشعبي العراقي القوي ضد التأثير الإيراني ببلادهم، الذي أثار احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، ونتائج الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول 2021، جعلا الحكومة العراقية في وضع يمكنها فيه عزل المليشيات المدعومة من إيران، خاصة حركة النجباء، التي انفصلت عن عصائب أهل الحق في عام 2013، وقادت الهجوم على القوات الأمريكية.
اقتراحات للردع
ويقترح بفاف أن يتم شن ضربات على الأصول الإيرانية في سوريا، والحفاظ على وجود حاملة طائرات بالبحر الأبيض المتوسط على المدى القصير، مع التجهيز لوجود بحري وجوي أكثر قوة واستمرارًا في الخليج، على المدى الطويل، وهو ما لا يستجيب الإيرانيون له بشكل فعال. وبينما ترسل الولايات المتحدة قوات إضافية إلى المنطقة ردًا على استيلاء إيران على ناقلات النفط، “فإن نشر هذه القوات قد يكون أكثر فاعلية إذا كان مرتبطًا باستراتيجية ردع أوسع وليس ردًا على أزمة فورية” حسبما يرى بفاف.
وبعد تطبيع العلاقات مؤخرًا بوساطة الصين، وكذلك الحوار السعودي الإيراني المستمر الذي يستضيفه العراق، “يمكن حشد السعودية وحتى الصين للضغط على إيران لوقف الهجمات ضد القوات الأمريكية” بحسب بفاف، مشيرا إلى أنه “من غير المحتمل أن يكون أي منهما مساعدا الولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الإشارة إلى الصلة بين التطبيع والاستقرار الإقليمي يعزز إقناعهما بأن كبح إيران مصلحة خاصة لكل منهما”.
وبقدر اهتمام إيران بالعلاقات مع السعودية والصين، بقدر ما ستمثل ضغوط البلدين على طهران محفزا لوقف الهجمات ضد القوات الأمريكية أو السفن في الخليج.
ويرى بفاف أن هذه التدابير يمكنها أن تخلق مساحة تظل فيها إيران حرة نسبيًا بممارسة نفوذها، دون أن تكون حرة بممارسة العنف الذي ترى أنه من المناسب استخدامه.
كما أن هذه التدابير من شأنها تعزيز خيارات الولايات المتحدة للرد في حال فشل الجهود غير العسكرية، وتمنحها المزيد من الخيارات للضغط على إيران ووكلائها مع تعزيز موقف الحكومة العراقية فيما يتعلق بالميليشيات.
ويقر بفاف بأن هكذا توازن “قد لا يكون مثاليًا، لكنه على الأقل يمكن أن يخفض درجة سخونة الصراع ويقلل من الهجمات ضد القوات الأمريكية”.
وإذا تم التوصل إلى ذلك، “يمكن للولايات المتحدة أن تكسب الوقت لزيادة التأثير على تذويب العلاقات السعودية الإيرانية – ودور العراق فيها – وخلق ظروف أفضل للاستقرار الإقليمي” حسب قوله.