مصر والملف النووى يتصدران مباحثات سلطان عمان في إيران
يبدأ سلطان عمان هيثم بن طارق آل سعيد، اليوم الأحد، أول زيارة له للعاصمة الإيرانية طهران، ومن المقرر أن يجري خلال الزيارة التي تستمر ليومين لقاءات مع المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي.
وأفاد الديوان السلطاني العماني، الأربعاء الماضي، بأنّ زيارة السلطان هيثم بن طارق تأتي “تعزيزاً لروابط الصداقة بين سلطنة عُمان والجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة الصديقة، وتوطيداً للعلاقات المُثمرة وحسن الجوار بينهما، وتلبيةً للدّعوة الكريمة (…) من الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي”، وسيتخللها بحث “مختلف التطورات على الساحتين الإقليميّة والدوليّة، وتعزيز كل ما من شأنه الارتقاء بأوجه التّعاون القائمة بين البلدين”.
سياقات الزيارة
ما يجعل زيارة السلطان هيثم لإيران ذات أهمية كبيرة تتجاوز عناوينها وأهدافها ودلالاتها علاقات عمان الوطيدة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويخرجها من سياق الرد على زيارة قام بها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للسلطنة عام 2022، موقع عُمان الإقليمي والدولي، ودخولها بالوساطة في عدة ملفات إقليمية ودولية مهمة وحساسة، تشكل طهران طرفاً رئيسياً فيهاً، بدءاً من الوساطة بين إيران ومحيطها العربي القريب والبعيد من السعودية إلى مصر، ومروراً بالملف اليمني والصراعات الإقليمية الأخرى، وصولاً إلى الوساطة التاريخية العمانية منذ قرابة 4 عقود بين طهران والغرب بشكل عام، وعلى وجه التحديد بين طهران وواشنطن.
وعليه، تأتي الزيارة في عدة سياقات مهمة، منها ما هو سياق ثنائي مرتبط بالعلاقات بين البلدين الخليجيين على ضفتي مضيق هرمز الاستراتيجي، التي توصف بأنها “علاقات تاريخية”. وتأتي أيضاً في خضم تقارب دبلوماسي إقليمي على خلفية “المصالحة” الإيرانية السعودية قبل نحو ثلاثة أشهر في بكين، كانت مسقط أحد أطراف الوساطة فيها، فضلاً عن الأنباء عن وساطة عمانية جارية بين طهران والقاهرة أيضاً للرقي بالعلاقات بينهما بعد عقود، وهي وساطة قد تعتبر أحد أهم أهداف زيارة السلطان هيثم للقاهرة قبل أيام.
وفي السياق الدولي، تأتي زيارة السلطان العماني في خضم انسداد المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي، ما يعيد إلى الأذهان الزيارة التاريخية للسلطان العماني السابق قابوس بن سعيد لطهران عام 2013، التي كسرت الجليد في المفاوضات النووية التي كانت تجري آنذاك بعد نحو عقد من بدئها، حيث تمكن من إقناع صناع القرار الإيرانيين بالدخول في مفاوضات سرية مع الولايات المتحدة الأميركية في مسقط، وهو ما حصل وأفضى في نهاية المطاف إلى إبرام الاتفاق النووي عام 2015 في فيينا.
واستبق السلطان هيثم زيارته لطهران بعقد بلاده صفقة تبادل للسجناء بين طهران وبلجيكيا استكمالاً لعدة صفقات أخرى بين إيران مع كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، وتعمل مسقط حالياً إلى جانب الدوحة لأجل إبرام صفقة تبادل كبيرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية.
ثلاثة مستويات
وقال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الإيراني عباس غلرو،، إنّ زيارة السلطان هيثم بن طارق لطهران “مهمة للغاية”، مع التأكيد أنّ بلاده “لطالما ربطتها علاقات إيجابية وجيدة” مع عُمان، واصفاً إياها بـ”الجار الجيد والمسالم وصاحب الدور الوحدوي المؤثر في المنطقة”.
وأضاف غلرو أنّ العلاقات الإيرانية العمانية “لها ثلاثة مستويات”، مشيراً إلى أنّ المستوى الثنائي هو الأهم، وهو يشمل “علاقات تعاون ماضية إلى الأمام في المجالات السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية”، مستذكراً تطور العلاقات الاقتصادية “الآخذة في الارتفاع والتوسع” وإبرام اتفاقيات اقتصادية متعددة في مجالات البنوك والملاحة البحرية والموانئ.
أما المستوى الثاني، فهو إقليمي، بحسب غلرو الذي يقول إنّ “سلطنة عمان لطالما لعبت الدور الإيجابي الوحدوي البارز في المنطقة لخفض التوترات في مختلف الفترات الزمنية”، لافتاً إلى أنّ القوات الأجنبية في الخليج وبحر عمان ومضيق هرمز “دائماً تحاول خلق توترات، لكن عمان تسعى دوماً لخفض هذه التوترات وضبطها”.
وتابع غلرو، ، قائلاً إنّ المستوى الثالث للعلاقات الإيرانية العمانية هو المستوى الدولي، مشيراً إلى أنّ “عمان لطالما تساعد في نسج تعاون دولي وإزالة العقبات أمام ذلك في المنطقة”، مع التأكيد أنّ مسقط في القضايا متعددة الأطراف “تلعب دوراً خاصاً وفريداً من نوعه”، وذلك في إشارة غير مباشرة إلى مفاوضات إيران النووية مع المجموعة الدولية.
ملف العلاقات الإيرانية المصرية
وبما يتعلق ببعض التوقعات التي تقول إنّ الواسطة بين إيران ومصر على جدول أعمال زيارة السلطان هيثم في طهران، يقول رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان الإيراني إنّ بلاده “ترحب بالجهود والمساعدة العمانية” للرقي بالعلاقات الإيرانية المصرية، مؤكداً أنّ إيران تولي للعلاقة مع مصر اهتماماً كبيراً لاعتبارات تاريخية وسياسية ودينية ترتبط بموقع هذا البلد الجيواستراتيجي وحضارته العريقة وموقعه الديني، لاحتضانه الأزهر الشريف.
في السياق ذاته، كشف عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني جليل رحيمي جهان أبادي، أنّ “ثمة دولاً، بما فيها سلطنة عمان، تبذل جهود وساطة لتحسين علاقاتنا مع المصريين، وحتى مع الأردن والبحرين، وذلك بعدما باتت التوترات الإيرانية العربية استنزافية جداً”، قائلاً إنّ الوضع في المنطقة نتيجة تلك الجهود الدبلوماسية “يتجه نحو إدارة الخلافات والتحديات وتحسن العلاقات بين إيران والدول العربية”.
ويعرب رحيمي جهان أبادي عن أمله أن “تثمر الجهود الجارية مع مصر لإعادة فتح السفارات بين البلدين، كما أثمرت مع السعودية”، مؤكداً أنّ “تحسن هذه العلاقات من شأنه أن يساعد في تحجيم النفوذ الأجنبي في المنطقة وتوجيه جزء كبير من الموارد الاقتصادية لدول المنطقة نحو التنمية وتحسين الظروف الاقتصادية للمواطنين”.
ويشدد البرلماني الإيراني البارز على أنّ تطور العلاقات بين إيران ومصر باعتبار أنهما “بلدان إسلاميان كبيران ومؤثران في المنطقة سينسحب إيجاباً على جميع الدول والوضع الإقليمي العام، فضلاً عن تقليص نفوذ الأجانب في المنطقة”.
ويؤكد رحيمي جهان أبادي أنّ “تحسن العلاقات الإيرانية مع العالم العربي سيبعث برسالة جيدة للشرق الأوسط والمنطقة” التي قال إنّها “على الرغم من جميع الفرص والطاقات الكامنة فيها لا تتمتع بظروف جيدة في التنمية السياسية والثقافية والاقتصادية”.
من جهته، يقول عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني فدا حسين مالكي، إنّ إيران ومصر أبدتا “رغبة مشتركة” في الرقي بالعلاقات الثنائية وتطويرها إلى مستوى السفارة، متوقعاً أن “تكون جهود سلطنة عمان مؤثرة في تحقيق ذلك، وأن تحمل الزيارة تطورات جيدة جداً بشأن تعزيز العلاقات الإيرانية مع الدول العربية، مثل مصر ودول أخرى”، بعدما أكد أنّ السلطنة “تلعب دوراً بارزاً في المنطقة لإزالة العقبات أمام تطوير العلاقات بين دول المنطقة والتعاون الإقليمي”.
وساطة بشأن الملف النووي
تتجه الأنظار أيضاً إلى ما ستحمله زيارة سلطان عمان لإيران بشأن المفاوضات النووية المتعثرة منذ سبتمبر/ أيلول الماضي، والرامية إلى إحياء الاتفاق النووي الذي كانت ولادتها عام 2015 بالأساس ثمار جهود عمانية جمعت الطرفين الإيراني والأميركي على طاولة مفاوضات مباشرة سرية في مسقط عام 2013، وأزالت عقبات أساسية، ومهدت لمفاوضات مباشرة علنية في فيينا ولوزان، إلى أن توجت بالاتفاق النووي عام 2015.
في السياق ذاته، يذكر مالكي الدور العماني “البارز” منذ البداية بشأن المفاوضات المرتبطة بالملف النووي، مشيراً إلى أنّ هذا الدور “موثوق به إيرانياً بالنظر إلى عمق العلاقات”.
ويتوقع مالكي أن تحمل زيارة السلطان هيثم بن طارق في ما يخص الاتفاق النووي والمفاوضات النووية، “نقاطاً جيدة للغاية”، مضيفاً أنّ لدى عمان “مقترحات” بشأن المفاوضات النووية سيبحثها السلطان العماني في لقاءاته مع القادة الإيرانيين.
ويشير البرلماني الإيراني إلى أنّه قبل فترة زار عمان على رأس وفد إيراني، قائلاً إنّ الاتفاق النووي نوقش في اجتماعات الوفد، مع القول إنّ مسقط “لديها مبادرات على الأغلب ستناقش في لقاء السلطان هيثم مع الرئيس الإيراني” إبراهيم رئيسي.
ويوضح أنّ “العمانيين أيضاً لديهم علاقات جيدة مع الأميركيين، ومقترحاتهم هي بكل تأكيد ثمار مباحثاتهم مع الأميركيين”، مؤكداً أنّ “هذه المقترحات العمانية تقترح حلولاً لإتمام المفاوضات النووية بأسرع وقت ممكن”.
ويرجح أن يحمل السلطان هيثم رسالة أميركية بشأن المفاوضات النووية خلال زيارة طهران، وأن تفضي زيارته إلى استئناف المفاوضات النووية.
بدوره، يصف الدبلوماسي الإيراني السابق عبد الرضا فرجي راد، زيارة السلطان العماني في ما يتصل بالمفاوضات النووية بأنها “مهمة للغاية”، مضيفاً أنّ مفاوضات قد جرت بواسطة عمان في مسقط بين إيران والولايات المتحدة، مع القول إنّ “هذه المباحثات تكون قد وصلت إلى نتائج، وإنّ ثمة عقدة استدعت زيارة السلطان هيثم لفكها”.
ويوضح فرجي راد أنّ السلطان العماني سيناقش ملفات أخرى في إيران، منها السلام في اليمن والعلاقات الإيرانية المصرية، إلى جانب الموضوع النووي.