منى الدحداح زوين تكتب:  مملكة القوّة الناعمة !!!

 

منى الدحداح زوين

          أستاذة جامعية

يُعرف مصطلح القوة الناعمة (Soft Power) بأنه الطريقة التي تعتمدها الدول للتأثير على الآخرين من خلال مبادئها الإنسانية وأخلاقياتها الحسنة وقيادتها الذكية. ولهذه القوّة أيضا التأثير الروحي والمعنوي الذي يمكنه أن يفرض نفسه على الآخرين والذي يعزز لديهم الاحترام والإعجاب بمصادر هذه القوة. كما ينطبق مفهوم القوة الناعمة على القادة الذين يعتمدون على التأثير الثقافي والإيديولوجي في تحقيق أهدافهم النبيلة، بدلاً من الاعتماد الحصري على السلطة والقرارات القمعية. يتم ذلك عبر ترويج السياسات العامة التي تعكس صورة إيجابية للدولة وتجعلها مقبولة ومحبوبة في عيون المجتمع الدولي. وفعلاً هذا ما رأيناه في أداء خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي العهد ورئيس مجلس الوزراء سمو الأمير محمد بن سلمان على الصعيدين الداخلي أو الخارجي.

وكان جوزيف ناي من جامعة هارفارد قد صاغ هذا المصطلح في كتاباته الصادرة عام 1990 و2004 معتبرا أن القوة الناعمة تقوم على ثلاثة مصادر:

ثقافتها القادرة على جذب الشعوب الأخرى.
قيمها السياسية التي يتبناها الآخرون في الداخل والخارج.
سياستها الخارجية التي تحترمها الشعوب وتعتبرها شرعية وأخلاقية.

لننطلق من المصادر الثلاث للقوة الناعمة وكيف تُطبق في المملكة العربية السعودية من قبل قيادتها الحكيمة.

قد أعلنت المملكة العربية السعودية رؤيةً استراتيجيةً للثقافة تستند إلى تطوير الفنون والثقافة ودعمها من خلال توظيفها كمحرك للتحوّل الوطني نحو التنمية البشرية. وعلى رأس الأهداف الرئيسية لرؤية السعودية 2030 تكوين نماذج للحياة الثقافية، وزيادة المساهمة الثقافية في النموالاقتصادي، ودفع مكانة المملكة الدولية، مما يظهر أهمية الثقافة كعامل حيوي لتطورالمجتمعات.

المملكة العربية السعودية تعتبر وسيطاً للسلام ومنارة للإنسانية في العالم، لتركيزها على دورها المحوري في السياسة الدولية وريادتها في دعم كل ما فيه خير للبشرية. كما تستشعر المملكة دورها الإنساني والريادي، وتلتزم في مساعدة الدول الأكثر احتياجاً والدول المتضررة من الكوارث الطبيعية والأزمات الإنسانية، وهي إحدى أكبر ثلاث دول مانحة.

حققت المملكة، تقدما عالميا في عدد من المجالات، أبرزها الأمن السيبراني، والسوق المالية، وجودة الأبحاث العلمية ومكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص ومكافحة الفساد والمضي بالتعاون في هذا الشأن على المستويين المحلي والدولي، وتعمل في ذلك ضمن الاتفاقية العربية واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

تستشعر المملكة دورها بين دول وشعوب العالم، وتعمل من خلال علاقاتها الثنائية ومن خلال المنظمات والمجموعات الدولية على تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات في عالمنا، ودعم العمل الدولي المتعدد الأطراف في إطار مبادئ الأمم المتحدة وصولا إلى عالم أكثر سلمية وعدالة، وفي ظل ما يشهده العالم من حروب وصراعات تؤكد المملكة ضرورة العودة لصوت العقل والحكمة وتفعيل قنوات الحوار والتفاوض والحلول السلمية بما يوقف القتال ويحمي المدنيين ويوفر فرص السلام والأمن للجميع. وكان لها عدّة مبادرات في الدول التي تشهد صراعات لتحقيق الأمن والسلام فيها.

بالنسبة للأزمات:

الروسية-الاوكرانية، فإنها تشجع الحوار والتفاوض والحلول السلمية لأنها ترى بأنها الطريقة الأمثل لإيجاد حل سياسي يؤدي إلى إنهاء الأزمة ويحقق الأمن والاستقرارالإقليمي والدولي.
القضية الفلسطينية، ترى المملكة أنّ الإسراع في إيجاد حل عادل وشامل وفقًا لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية هو السبيل الأمثل لضمان أمن منطقة الشرق الأوسط واستقرارها، وإقامة دولة فلسطين مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وتدين المملكة جميع الإجراءات الأحادية التي تقوض حل الدولتين، وتدعو لوقفها الفوري الكامل.
اليمن، تدعم الهدنة التي ترعاها الأمم المتحدة والوصول الى وقف اطلاق النار بشكل دائم، تماشيا مع مبادرة المملكة لإنهاء الأزمة، وايجاد حل سياسي شامل وتحقيق السلام المستدام بين الأشقاء في اليمن.
العراق، ترى المملكة إن أمن العراق واستقراره هو ركيزة أساسية لأمن المنطقة واستقرارها، لذلك تقوم بدعم أمنه واستقراره وانمائه ووحدة أراضيه، ومساندته في مواجهة الجماعات الإرهابية والمليشيات المسلحة. وقال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان “البلدين متجاورتين و كلنا عرب ونتبع نفس الدين ولدينا نفس المصالح ونفس التحديات وأنا سعيد جداً بتطوير العمل معكم ومع العراق”.
السودان، تقوم المملكة بدعم الشعب السوداني، ولكل جهد يسهم ويشجع الحوار بين القوى السياسية والأطراف السودانية والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، ومساندتها في مواجهة التحديات الاقتصادية، كما قامت بجهود كبيرة لمساعدة الولايات المتحدة في تحقيق الهدنة.
سوريا، تؤكد المملكة ضرورة الالتزام بقرارات مجلس الأمن بما يحفظ سيادة سوريا واستقرارها وعروبتها، وتشدد على أهمية منع تجدد العنف، والحفاظ على اتفاقات وقف إطلاق النار، وايصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين السوريين، وقد اعادت علاقتها الدبلوماسية مع دمشق بعد انقطاعها على اثر اندلاع النزاع في سوريا عام 2011، وهي دعت الرئيس بشارالأسد لحضورالقمة العربية التي استضافتها في مدينة جدّة.
لبنان، تؤكد ضرورة تنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية هيكلية شاملة تقود إلى تجاوز أزمته، وأهمية بسط سلطة حكومته على جميع الأراضي اللبنانية وتسعى جاهدة الى انتخاب رئيس جمهورية بموافقة جميع الأطراف اللبنانية دون تدخل خارجي بهذا الموضوع.
ليبيا، تدعم المملكة وقف إطلاق النار الكامل، والدعوة الليبية إلى المغادرة التامة للقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب والمرتزقة دون إبطاء، وفقا لقرار مجلس الأمن 2570 الصادر عام 2021.
أفغانستان، أكدت المملكة ضرورة مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية، والحرص على دعم أمنها وعدم تحولها إلى منطلق للعمليات الإرهابية أو مقراً للإرهابيين.

كما اعادت المملكة علاقتها الدبلوماسية مع كندا لينتهي الخلاف الذي وقع بين الدولتين في العام 2018 وكذلك اتفقت مع ايران على استئناف العلاقات الدبلوماسية التي كانت مقطوعة منذ عام 2016.

انّ المملكة حريصة على استتباب السلم والأمن الدوليين لأنها واثقة بأن السلم والأمن لا يتحققان من خلال سباق التسلح أو امتلاك أسلحة الدمار الشامل، بل من خلال التعاون بين الدول لتحقيق التنمية والتقدم، ومن هنا تحث المجتمع الدولي على تكثيف ومضاعفة الجهود في سبيل منع انتشار أسلحة الدمار الشامل وضمان خلو منطقة الشرق الأوسط منها.

أختم هذا المقال بما قالته “بلومبرغ” مؤخرا عن ولي العهد: “يُشرف ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على لعبة القوة الناعمة، التي تجمع بين بناء القدرات العسكرية للمملكة العربية السعودية وبناء مسار دبلوماسي”.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى