مقايضة الذهب بـ العقارات والسيارات.. جريمة بحق مصر
توجس أحمد عبدالرحمن، وهو موظف خمسيني اشترى عقاراً قبل ثلاث سنوات، من فقدان القيمة المالية للعقار الذي قام ببيعه مؤخراً، ووضع شرطاً لم يكن معتاداً في السوق التجاري المصري، وهو أن يحصل على قيمته سبائك ذهبية بدلاً من الجنيهات. وبالفعل، استجاب له المشتري الذي قام بتحويل أمواله إلى سبائك ذهبية بعد الاتفاق على سعر البيع.
يشير عبد الرحمن إلى أن تذبذب سعر العملة المحلية فضلاً عن التباينات السريعة في أسعار الذهب خلال الشهر الماضي وحتى الأسبوع الأول من شهر مايو/أيار الجاري كان دافعاً نحو طلبه، موضحاً أن قيمة العقار تزايدت أيضاً هي الأخرى بفعل القفزات السريعة في أسعار الذهب، وأنه ما زال يحتفظ بقيمة شقته سبائك ذهبية انتظاراً لارتفاعات أخرى متوقعة قد تساهم في الحفاظ على مدخراته دون أن تفقد قيمتها مع تذبذب سعر الجنيه والتوقعات العديدة التي تؤكد فرضية تعويمه خلال الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
لم يجد الطلب الذي تقدم به المواطن المصري رفضاً من جانب المشتري، ووفقاً لعبد الرحمن، فإن من قام بشراء العقار أيضاً حافظ على مدخراته في ظل الارتفاعات المستمرة في أسعار العقارات مؤخراً، كما أنه تم الاتفاق في البداية على سعر البيع بالجنيه المصري، لكن كان الطلب بتحويل المبلغ إلى سبائك ذهب، وهو أمر يأخذ في الانتشار بين التجار للحفاظ على أموالهم بعد أن خسر البعض مبالغ طائلة في قرارات التعويم المتتالية خلال العام الماضي والتي دائماً ما تأتي بشكل مفاجئ ويفقد خلالها الجنيه جزءاً كبيراً من قيمته.
وتراجع الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بنسبة 97.7%، عبر 3 عمليات من تحرير سعر الصرف منذ مارس/آذار 2022، إذ تعرضت العملة المصرية إلى ضغوط أعقبت دورة التشديد النقدي من جانب البنوك المركزية وفي مقدمتها “الاحتياطي الفيدرالي” الأمريكي نهاية عام 2021، وزادت حدتها في أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية، ما أدى إلى خروج 20 مليار دولار من الأموال الساخنة.
ضبابية في التسعير القائم على سعر الصرف
بالتوازي مع ذلك شهدت سوق العقارات ارتفاعاً موازياً في أسعار الوحدات السكنية، وقفزت بنسبة 125% في الفترة منذ مارس/آذار 2022 في أعقاب الحرب الروسية – الأوكرانية وحتى الوقت الحالي، وفقاً لتقديرات خبير في سوق العقارات أكد على أن سعر الوحدة التي كان سعرها قبل عام مليون جنيه (32.363 ألف دولار) أصبحت حالياً بـ2.25 مليون جنيه (81 ألف دولار)، وهذا الرقم قابل للتغيير سريعاً لوجود ضبابية لدى المقاولين في التسعير القائم على سعر الصرف وأسعار الخامات.
ويؤكد المصدر ذاته أن شركات المقاولات تجد أزمة في تسعير الوحدات السكنية؛ لأن أسعار مواد البناء تتأثر بسعر صرف الجنيه وتتغير بشكل يومي تقريباً وفقاً لأسعار العملة المحلية في مقابل الدولار، وهو ما يجعل البعض يخشى من تأثر نسبة ما ينشده من مكسب، وهو ما كان دافعاً لبعض الشركات نحو تسعير وحداتها بالدولار، غير أن ذلك يخالف القوانين المصرية وقد يكون المقايضة بالذهب إجراء غير رسمي يتم بين البائع والمشتري.
ولفت إلى أن الساعين لشراء العقارات للحفاظ على مدخراتهم تتزايد معدلاتهم بشكل مطرد منذ بداية العام الحالي في ظل تصاعد المخاوف على قيمة مدخراتهم والبعض أقدم على فك ودائع البنوك ووضعها في العقارات، كما أن الشهادات التي انتهت فترتها الزمنية الشهر الماضي كانت دافعاً نحو زيادة الإقبال على الدولار والذهب والعقارات، والأخيرة تعد من أنجح الأوعية التي تحافظ على القيمة الشرائية للعملة المحلية ولن يكون هناك غضاضة في مقايضة العقارات بالذهب.
وعلى الرغم من أن مقايضة العقارات بالذهب تبدو حالياً حالات فردية، إلا أنها في الطريق لأن تتحول إلى ظاهرة نتيجة الانتشار التدريجي لها بين المصريين بعد فقدان الثقة في تعافي الجنيه المصري.
ما يحدث في العقارات يتكرر أيضاً في سوق السيارات الذي يواجه مجموعة كبيرة من الاختلالات التي ساهمت في زيادة أسعار السيارات بشكل مطرد مع تراجع معدلات البيع إلى معدلات غير مسبوقة.
يقول سعيد عبد الرازق، وهو أحد تجار السيارات بمحافظة الجيزة، إن استيراد السيارات من الخارج أصبح الآن من المناطق الحرة والتي تدخل من خلالها السيارات إلى مصر من خلال مجموعات من التجار بعيداً عن الطرق التقليدية للاستيراد من الخارج.
التعاملات تكون بالدولار، وهو ما كان دافعاً نحو زيادة أسعار السيارات من جانب. وعلى الجانب الآخر، فإن التجار أضحوا بحاجة لتوفير العملة الصعبة للاستيراد من الخارج لكن مع شح العملة الصعبة أصبح الذهب بديلاً مناسباً في مرات عديدة.
وأضاف أن الفترة الماضية شهدت تحولات جديدة في عملية تسعير السيارات بعد أن لجأ بعض الوكلاء لفكرة إدخال السيارات بعيداً عن طرق الاستيراد العادية الموقوفة، وأصبح اللجوء إلى المنطقة الحرة دافعاً نحو طلب الوكلاء من الزبائن الذين يكونون على الأغلب تجاراً يعملون في سوق بيع السيارات، حيث يقومون بتحويل المبالغ بالدولار أو اليورو قبل أن يقوم بتحويل المبالغ مجمعة لحساب الشركة الأم التي يستورد منها السيارات، وبعدها تدخل السيارة للمنطقة الحرة ويتم دفع مقابل الإفراج عنها بالجنيه المصري وتسليمها للزبون المحدد الذي تدخل السيارة باسمه.
وشدد على أن بعض التجار يجدون صعوبات جمة في الحصول على الدولار مع شح العملة الصعبة في بعض الأحيان، ويكون الإجراء الأسهل هو تسعير سعر السيارة وفقاً لأسعار سبائك الذهب، لكن ذلك يصطدم برغبة بعض الوكلاء الذين يشترطون الحصول على قيمة السيارات المستوردة بالدولار، ومع تراجع عمليات البيع والشراء يقبل البعض بخيار الذهب لزيادة حركة السوق.
وتشير أرقام شعبة السيارات التابعة لاتحاد الغرف التجارية في مصر إلى أن مبيعات سوق السيارات تراجعت بنسبة 70%، بسبب الارتفاعات غير المسبوقة في أسعارها، ومع اتجاه الحكومة نحو وقف استيرادها من الخارج ووجود عدد من السيارات في الموانئ المصرية التي لم يتم الإفراج عنها بعد.
وحسب تقرير مجلس معلومات سوق السيارات (أميك)، بلغ حجم مبيعات السيارات الملاكي 12.3 ألف وحدة خلال الربع الأول من عام 2023 بدلاً من 55.5 ألف وحدة خلال نفس الفترة من العام الماضي.
تضاعف الطلب على الذهب في مصر
وأكد مصدر مطلع بالشعبة العامة للسيارات، أن سوق السيارات في مصر تعرض للتدمير خلال الفترة ما بين شهر مارس/آذار وحتى نهاية العام الماضي، وهو ما دفع لخروج عدد من الوكلاء الرسميين وكذلك الموزعين والتجار من السوق.
وأشار إلى أن بداية العام الجاري كانت شاهدة على انفراجة مؤقتة مع الإفراج عن عدد من السيارات داخل الموانئ، وكذلك مع السماح باستيراد شحنات من قطع الغيار اللازمة للوكلاء، ثم فتح باب استيراد المواد الخام المطلوبة لتصنيع سيارات من ماركات شهيرة ومعروفة، لكن ذلك لم يقد لعودة عجلة استيراد السيارات كما كانت من قبل.
وقاد الاتجاه إلى المنطقة الحرة للتغلب على حالة الشلل التام إلى توفر كثير من الموديلات الحديثة. ولم تعد المشكلة في توفر السيارات من عدمه لكن الأزمة تمثلت في أسعار السيارات، ففي غضون أشهر قليلة قفزت أسعار السيارات التي كان سعرها النهائي للمشتري بـ 400 ألف جنيه إلى مليون جنيه أو أكثر، وهو ما يرجع لقواعد الاستيراد الجديدة عبر المنطقة الحرة والتي تكون وفقاً لأسعار الدولار في السوق السوداء وليس السعر الرسمي في البنوك المصرية.
وأضحى من المعروف إعلان قوائم أسعار السيارات كل فترة وجيزة قد لا تتجاوز الأسبوع الواحد بواسطة الوكلاء، ووفقاً للمصدر ذاته، فإن ذلك يكون وفقاً لأسعار السوق السوداء من الدولار، وهو ما دفع عدداً من التجار لعرض المقايضة بالذهب والذي يتم تحديد سعره وفقاً لأسعار الجنيه مقابل الدولار في السوق السوداء وكذلك سعره في العقود الآجلة.
شهدت أسعار الذهب في مصر قفزة لافتة خلال الأسابيع القليلة الماضية، مع وصول سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى نحو 40 جنيهاً، بينما يستقر في السوق الرسمية عند 31 جنيهاً. ومع عدم اقتناع العديد من المواطنين بفائدة شهادات الاستثمار البالغة بحدّها الأقصى 22% بموازاة تفاقم التضخم لأكثر من 32%، تحوّلت الجنيهات والسبائك الذهبية إلى ملجأ لحفظ القيمة.
وتضاعف الطلب على السبائك والجنيهات الذهبية في مصر إلى 7 أطنان خلال الربع الأول من العام الحالي، مدفوعاً بإقبال المواطنين على الاستثمار بالمعدن الأصفر بغرض الادخار والتحوّط من التضخم، وفقاً لمجلس الذهب العالمي.
تحذير من فقدان الجنيه لقيمته في البيع والشراء
ولفت مصدر مطلع بشعبة المستوردين بالغرفة التجارية بالقاهرة إلى أن الاتجاه نحو المقايضات مقابل الذهب تتزايد وتيرتها في السلع التي يتم استيرادها من الخارج بأسعار ضخمة، وكذلك بالنسبة لشحنات المصانع والشركات الكبرى التي تجد صعوبة في توفير العملة الصعبة لكن في بعض الأحيان تفشل كثير من الصفقات التي يكون فيها الذهب حاضراً في المقايضة. وذلك يرجع لأن تهريبه إلى الخارج يبقى محاطاً بجملة من المخاطر، كما أن الدولار يبقى أكثر أماناً باعتباره عملة تجارية عالمية.
وأوضح أن نتيجة شح العملة الصعبة وتذبذب سعر الجنيه انخفضت معدلات استيراد السلع، وهو ما أثر بشكل كبير على استيراد المنتجات المختلفة والسلع من الخارج، رغم بعض التدخلات للإفراج عن بعض المنتجات
وأشار إلى أن تأخر الحكومة في اتخاذ قرار التعويم مع زيادة التوقعات بالإقدام على تلك الخطوة في بداية هذا الشهر، تجعل هناك مزيد من الاضطراب في حركة السوق ويؤدي لوجود وسائل مقايضة مختلفة عن البيع بالجنيه انتظاراً لما ستؤول إليه الأوضاع مستقبلاً، وسيكون على الحكومة سرعة التدخل للتعامل مع حالة عدم اليقين في قدرة الجنيه على الصمود في وجه العملات الأجنبية.
وأشار إلى لجوء البعض إلى تصفية مشروعات صغيرة ومتوسطة وتوظيف أموالها في الذهب، وهو طرح أكثر خطورة يزيد من شبح البطالة، محذراً من اتجاه المعاملات التجارية في مصر لتوسيع التعامل بالذهب أو الدولار مما يضغط على قيمة الجنيه المصري وينذر بفقدان قيمته في التعامل كورقة نقدية في البيع والشراء
ويخشى المصدر من “دولرة الاقتصاد” موضحاً أنه كلما حول المواطنون مدخراتهم إلى الدولار أو الذهب، فتصبح النتيجة الحتمية تحرك الاقتصاد ناحية الدولار وقوة مضافة وهيمنة أكبر للعملة الخضراء، وهذا يعتبر سيناريو “كارثياً” على العملة المحلية.
وكشف المصدر أنه علم من أصدقاء له في جهات حكومية بأنهم يدرسون تقنين شراء الذهب في الوقت الحالي باعتباره صورة من صور الاتجار في الدولار.
وأشار بنك “سيتي جروب” في تقرير صدر الأربعاء الماضي، إلى أن البنك المركزي المصري من المرجح أن يؤجل قراره بشأن تخفيض الجنيه على الأقل حتى نهاية الشهر المقبل؛ حيث يأتي هذا التوقع عكس الرهانات الأخرى التي ترجح انخفاض الجنيه في القريب العاجل، وذلك وفق ما أفادت به وكالة بلومبرغ.
وقال لويس كوستا من “سيتي جروب” إن حدوث انخفاض حاد آخر في الجنيه قبل نهاية السنة المالية المصرية المنتهية في 30 يونيو قد يعرقل هدف الحكومة المتمثل في تحقيق عجز في الميزانية بنسبة 6.5٪ وتثبيت ديون البلاد مقارنة بناتجها المحلي الإجمالي.
وأضاف كوستا أن البنك المركزي المصري سينتظر على الأرجح عائدات “السياحة الوفيرة” التي تصل إلى حوالي 14 مليار دولار قبل اتخاذ قرار بشأن تغيير قيمة الجنيه.