خطة أمريكية للتخلص من “فاغنر” الروسية في ليبيا.. ما المصير؟
في ظل التطورات الأخيرة، كشفت صحف أمريكية عن استراتيجية جديدة صاغتها الولايات المتحدة للتصدي لوجود مرتزقة “فاغنر” الروسية في إفريقيا عموما وليبيا على وجه الخصوص.
وبحسب ما ورد صاغت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن خارطة طريق تسمى “الاستراتيجية الثمينة” بهدف إبعاد المنظمة المصنّفة “إجرامية” عن القارة السمراء.
الاستراتيجية تؤكد على توسيع تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة لثني الدول الإفريقية عن التعاون مع “فاغنر”، مستشهدة بعلاقات “الكرملين” القوية مع دول مثل ليبيا، مدفوعة بتأمين مواقع النفط الحيوية.
الإدارة الأميركية استخدمت هذا التكتيك بوتيرة متزايدة، بما في ذلك خلال الأشهر التي سبقت الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. لأنه يخدم الوظيفة المزدوجة المتمثلة في تنبيه الحلفاء إلى التهديدات التي تلوح في الأفق وإخطار الخصوم بأن الولايات المتحدة تعرف ما يفعلونه، ولكن كيف تخطط الإدارة الأميركية لثني الدول الإفريقية عن إقامة شراكات مع “فاغنر”، وكيف تتوافق الاستراتيجية الأميركية مع عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في ليبيا.
“الاستراتيجية الثمينة”.. ضربة لـ”فاغنر”
وفقا لصحيفة “بوليتيكو” الأميركية، فإن نهج واشنطن الجديد ينطوي على تثبيط الشراكات بين الدول الإفريقية و”فاغنر” من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية التي تكشف عن طبيعة عمليات “فاغنر” والمخاطر المحتملة المرتبطة بمثل هذه التحالفات.
هذا النهج سيكون من خلال تسليط الضوء على وجود المرتزقة الروس في إفريقيا والدوافع الكامنة وراء هذه المشاركات، حيث تهدف الولايات المتحدة إلى خلق الوعي وتعزيز نهج أكثر حذرا بين الدول الإفريقية في تعاملاتها مع “فاغنر”.
حاليا يتم نشر هذه التكتيكات كجزء من حملة أوسع لمنع موسكو من الحصول على موطئ قدم اقتصادي وعسكري في بعض الدول الإفريقية، بما في ذلك تلك التي عملت سابقا مع واشنطن، وفقا لمقابلات مع أربعة مسؤولين أميركيين على دراية بهذا الجهد.
الولايات المتحدة شاركت في الأشهر الأخيرة بمعلومات استخباراتية تتعلق بخطة “فاغنر” لاغتيال رئيس تشاد، وكذلك محاولاتها للوصول إلى مواقع استخراج الموارد الطبيعية الرئيسية والسيطرة عليها في دول مثل السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، وخطط أخرى.
مبادلة المعلومات الاستخبارية مؤخرا حول “فاغنر” يسلط الضوء بحسب حديث الكاتب والصحفي الليبي، عبد العزيز الهاشي، على مدى امتداد المواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا إلى ما وراء ساحة المعركة في أوكرانيا إلى إفريقيا.
القوة الليبية المشتركة.. الرغبة مقابل التنفيذ
في شباط/فبراير الماضي التقى موظفو “فاغنر” مع جهات تركية لشراء أسلحة ومعدات من تركيا لاستخدامها في مالي وأوكرانيا، ووفقا لتقرير استخباراتي فإن الولايات المتحدة جمعت معلومات استخباراتية تُظهر أن الرئيس الانتقالي في مالي قد حاول أيضا الحصول على أسلحة من تركيا نيابة عن “فاغنر”.
الهاشي في تحليليه للسياسة الأميركية لمكافحة نشاط “فاغنر” بإفريقيا، يعتقد أن هناك رغبة أميركية في إنشاء قوة ليبية مشتركة تضم ممثلين من جميع المناطق، إذ يمكن أن يكون تشكيل قوة ليبية مشتركة بمثابة ثقل موازن لنفوذ المرتزقة الروس، مما يوفر جبهة ليبية موحدة ضد التدخل الخارجي.
على صعيد آخر، قد توفر تشاد القوات، وتوفر مصر التسليح وتوفر السعودية المال، وستقوم أميركا بتوفير المعلومات والغطاء السياسي للصحراء من غرب دارفور إلى منطقة الجفرة وسرت شمالا، وستكون الأخيرة ميدان المعركة، وهذا سيصعّد تشاد كقوة كبرى في إقليم الصحراء وستكون فزان في جنوب ليبيا التى يقطنها الآن أغلبية من تبو تشاد المنطقة الكبرى للصراع.
نجاح الاستراتيجية الأميركية بإخراج “فاغنر” من ليبيا ودول إفريقية أخرى يعتمد على عوامل مختلفة، طبقا لما يراه الهاشي، حيث تشمل هذه رغبة الدول الإفريقية في إعطاء الأولوية لمصالحها الوطنية على المكاسب قصيرة المدى، وفعالية جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية، والقدرة على تقديم بدائل قابلة للتطبيق للدول التي تسعى إلى شراكات أمنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن التطورات في المشهد السياسي الداخلي الليبي ودعم الجهات الدولية الفاعلة الأخرى ستشكل النتيجة أيضا.
في السنوات الأخيرة، وسّعت “فاغنر” عملياتها في إفريقيا، مما ساعد في تعزيز العلاقات مع “الكرملين” في دول مثل ليبيا والسودان وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومالي. ويشمل عمل المجموعة المصنّفة “إجرامية” تأمين المواقع المعدنية والنفطية الهامة في إفريقيا بالإضافة إلى حماية المسؤولين الحكوميين.
كما أسست مقرا لعملياتها في السودان من خلال العمل مع المسؤولين الحكوميين، بما في ذلك الرئيس السابق عمر البشير، الذي أطاح به الجيش من السلطة في عام 2019، ومن خلال تأمين عقود تعدين مربحة.
تحقيق أجرته شبكة “سي إن إن” العام الماضي كشف عن مدى قيام روسيا بتهريب الذهب من السودان واستخدام “فاغنر” للمساعدة في نهب الموارد الطبيعية للبلاد. ووفقا للمسؤولين الأميركيين يبدو أن “فاغنر” تدير الكثير من أعمالها في مجال التعدين من خلال شركة “مروي جولد” المعاقبة أميركيا.
أيضا أنشأت المنظمة العسكرية متجرا في جمهورية إفريقيا الوسطى في عام 2017، وأنشأت مراكز ثقافية ومبادرات محلية أخرى لتدعيم صلتها مع الحكومة. ومنذ ذلك الحين، تحركت لحماية مناجم الذهب في البلاد وتقوم بتدريب القوات الحكومية.
مخاوف الولايات المتحدة ازدادت بعد رحيل القوات الفرنسية من دول مثل مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى وبوركينا فاسو، عندما اكتسبت “فاغنر” موطئ قدم، وأبرمت صفقات مع مسؤولين محليين. حيث استحوذت “فاغنر” بعد الفراغ الأمني الذي حصل في أعقاب رحيل فرنسا في تلك البلدان، حيث قدمت للمسؤولين المحليين الحماية والتدريب لجيوشها.
التداعيات والتحديات
لتثبيط الدول الإفريقية عن إقامة شراكات مع “فاغنر”، تخطط الإدارة الأميركية لتوسيع تبادل المعلومات الاستخباراتية الحساسة. ومن خلال تزويد الدول الإفريقية برؤى حاسمة حول عمليات “فاغنر” وتسليط الضوء على المخاطر المحتملة المرتبطة بالانخراط مع مجموعة المرتزقة، تهدف الولايات المتحدة إلى زيادة الوعي والحذر بين الحكومات الإفريقية، والهدف هو ثني هذه الدول عن إقامة شراكات أمنية مع “فاغنر”، والتأكيد على العواقب السلبية المحتملة على مصالحها الوطنية والاستقرار الإقليمي.
لا يزال مصير الخطة الأميركية لاستهداف مرتزقة “فاغنر” الروسية في ليبيا ودول إفريقية أخرى غير مؤكد، كون العلاقات القوية بين الشركة الروسية والدول الإفريقية مثل ليبيا مدفوعة بشكل أساسي بتأمين مواقع النفط الحيوية، حيث يمكن اعتبار تورط شركة “فاغنر” في ليبيا امتدادا للمصالح الروسية في تأمين الوصول إلى حقول النفط في البلاد والتأثير عليها.
الاستراتيجية الأميركية تتوافق مع عملية السلام التي تدعمها الأمم المتحدة في ليبيا وفقا للهاشمي، والتي تهدف إلى إنشاء إطار سياسي مستقر وشامل في البلاد. فمن خلال استهداف وجود “فاغنر”، تسعى الولايات المتحدة إلى تقويض العناصر المزعزعة للاستقرار وتعزيز تنفيذ اتفاقيات السلام التي تقودها الأمم المتحدة. ويمكن أن يسهم إخراج مرتزقة “فاغنر” في خلق بيئة أكثر ملاءمة للحوار والمصالحة وإنشاء حكومة ليبية موحدة.
قد يختلف الوضع الحالي لوجود “فاغنر” في ليبيا ودول إفريقية أخرى، لذا فإن الاستراتيجية الأميركية قد تواجه العديد من التحديات، خصوصا أن وجود مرتزقة “فاغنر” في بعض المناطق متجذر في الديناميكيات السياسية المعقدة والمصالح الاقتصادية والعلاقات التاريخية. ومعالجة هذه العوامل طبقا لحديث الهاشي يتطلب اتباع نهج شامل ودقيق يتجاوز تبادل المعلومات الاستخباراتية.
قد يكون لإبعاد “فاغنر” من ليبيا والمنطقة بشكل عام تداعيات كبيرة على الوضع السياسي والأمني، وقد يساهم القضاء على نفوذ “فاغنر” في الحد من التدخل الخارجي وتعزيز الاستقرار اللازم لعملية الانتقال السياسي وبناء الدولة في ليبيا، لذا فإن التنفيذ الناجح لهذه الاستراتيجية يعتمد على عوامل متعددة، بما في ذلك رغبة الدول الإفريقية في إعطاء الأولوية لمصالحها الخاصة وفعالية جهود تبادل المعلومات الاستخباراتية.