الصراع في السودان يؤخر سداد قروض صينية بمليارات الدولارات

وكان السودان يعد متلقيًا كبيرًا للتمويل الصيني في القارة الأفريقية، حيث تحتل بكين المرتبة الأولى كأكبر مقرض ثنائي، وفقًا للأرقام الصادرة عن مختبر إيد داتا “AidData”في كلية وليام وماري في الولايات المتحدة.

وأدى الصراع على السلطة بين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو ورئيس الجيش عبد الفتاح البرهان، والذي اندلع الشهر الماضي، إلى اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم، ما تسبب في نزوح مئات الآلاف من السودانيين.

ويعد هذا الصراع بمثابة نكسة للأهداف الاستراتيجية للصين في القرن الأفريقي، حيث سعت بكين إلى تعزيز نفوذها من خلال تمويل البنية التحتية.

وبلغت ديون السودان المستحقة للصين 5.12 مليار دولار في أوائل العام 2022، وفقًا لوثائق البنك المركزي السوداني، ولكن المحللين قالوا إن هذا لا يشمل تسهيلات الدفع المسبق للنفط، والتي هي في الواقع قروض من كيانات صينية يفترض أن يتم سدادها بشحنات النفط.

والقيمة القائمة لمثل هذه القروض مقابل النفط غير واضحة، لكنها قد تضيف مليارات إلى إجمالي رصيد الديون.

ونقلت تقارير إخبارية في العام 2020 عن نائب وزير الطاقة والمناجم السوداني آنذاك، حميد سليمان، قوله إن شركة النفط الوطنية المملوكة للدولة “سودابت” مدينة بمبلغ 2.5 مليار دولار لشركة النفط الصينية الحكومية “سي إن بي سي”.

ومن جانبه، قال برادلي باركس، المدير التنفيذي لمختبر “إيد داتا”، الذي يحتفظ بقاعدة بيانات شاملة عن الإقراض العالمي لبكين، إن الكيانات الصينية المملوكة للدولة قدمت قروضًا بقيمة 15.5 مليار دولار للسودان في العقد حتى عام 2020.

وتظهر بيانات “إيد داتا” أن هذه الكيانات أقرضت 4.7 مليار دولار لجنوب السودان، الذي انفصل عن السودان في عام 2011، خلال نفس الفترة.

واعتبر المحللون أن الصراع السوداني ألغى مسار برنامج الإصلاح المدعوم من صندوق النقد الدولي، وزاد بالتالي من تعريض قدرة الخرطوم على السداد لمجموعة من الدائنين، بما في ذلك الصين.

وتظهر أرقام صندوق النقد الدولي أن السودان متأخر بالفعل عن الكثير من ديونه الخارجية، بما في ذلك ديون كيانات صينية.

وفي هذا الصدد، يرى باركس أن مدفوعات القروض المتأخرة والرسوم المتأخرة للدائنين الخارجيين تساوي أكثر من 140 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

دول أخرى تخلفت عن السداد

وتتكرر محن الديون التي تعاني منها بكين في السودان في معظم أنحاء إفريقيا، حيث يعاني المقرضون المملوكون للدولة في الصين من سلسلة من حالات التخلف عن السداد.

ويمثل هذا تحولًا كبيرًا عن الحالة المزاجية قبل سبع سنوات، عندما أشار الرئيس الصيني، شي جين بينغ، إلى أفريقيا على أنها “القارة الأسرع نموًا والأكثر واعدة في العالم”.

يشار إلى أن ما يقرب من 80 في المائة من إجمالي الإقراض لأفريقيا من قبل الكيانات الحكومية الصينية هو للبلدان التي تعاني من ضائقة مالية، وفقًا لورقة بحثية حديثة نشرها المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.

وكانت زامبيا قد تعثرت بالفعل في عمليات السداد، في حين أن أنغولا وإثيوبيا وكينيا، وهم من بين أكبر المقترضين الأفارقة للأموال الصينية يكافحون بصعوبة للوفاء بالتزامات الديون الخارجية.

ويبدو أن الصين حذرة بشأن أي دور محتمل كصانعة سلام في السودان، على الرغم من مشاركتها المالية.

وقال مستشار الحكومة الصينية: “أعتقد أن الصين ستصدر بيانات إيجابية من أجل السلام وستحاول دعم العملية لكننا لا نعرف الأطراف المعنية جيدًا”.

وأضاف: “الأطراف الأخرى، مثل الأوروبيين، تعرف الجهات الفاعلة الرئيسية في الصراع السوداني بشكل أفضل بكثير”.

“وضع معقد”

ومع ذلك، أشارت مديرة مبادرة أبحاث الصين وأفريقيا بجامعة جونز هوبكنز، ديبوراه بروتيغام، إلى أن “الدبلوماسية المكوكية” الصينية المحمومة التي ساعدت على استمرار تدفق النفط بعد انفصال جنوب السودان عن السودان في العام 2011.

وقالت: “السودان هو المكان الذي انخرط فيه الدبلوماسيون الصينيون لأول مرة في الدبلوماسية المكوكية، وفي ذلك الوقت حصلوا على إشادة على مضض من نظرائهم الأميركيين”.

وتابعت: “لن أتفاجأ إذا عادوا لمحاولة المساعدة في حل هذه المشاكل الشائكة”.

ويبدو أن استعداد الدائنين الصينيين لشطب القروض أو زيادة ائتمان الإنقاذ لم يتم اختباره إلى حد كبير، فقد عينت بكين “مبعوثًا خاصًا” لمنطقة القرن الأفريقي في العام الماضي، والذي عمل إلى حد كبير وراء الكواليس لدفع عملية السلام هناك ودعم فكرة “مستقبل مشترك” مع الصين.

لكن أحد مستشاري الحكومة الصينية، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قال إنه من “غير المرجح في حالة السودان أن تكون هناك إيماءات كبيرة للمساهمة في إنهاء الصراع وذلك في المستقبل المنظور على الأقل”، موضحا أن ذلك البلد “معقد للغاية في الوقت الحالي”.

وقالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، في اجتماع مائدة مستديرة عقد مؤخرا في نيروبي: “في اللحظة التي يكون هناك وقف حقيقي لإطلاق النار (في السودان)، سوف نتقدم إلى الأمام لنرى ما يمكن عمله بشأن التمويل”.

وترجع مشكلات الديون التي تجتاح أفريقيا بشكل أساسي إلى الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة العالمية الذي أعقب جائحة فيروس كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا.

وساهم في تفاقم تلك المشكلة أيضا العملات المحلية الضعيفة وسلسلة من العوامل الداخلية مما دفع العديد من تلك البلدان نحو التخلف عن السداد في الوقت الذي تكافح فيه لخدمة التزامات ديونها.

ووفقًا لورقة بحثية حديثة أجرتها مؤسسة تشاتام هاوس، فإنه “من المرجح أن يزداد الوضع العام سوءًا خلال العام 2023 مما سوف يحد من قدرة العديد من الدول الأفريقية على جمع التمويل اللازم لتقديم تحسينات اجتماعية أوسع لسكانها والاستجابة لتغير المناخ”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى