كيرتي كلمة السر التي فتحت أبواب جهنم في السودان
بينما تفوح رائحة البارود بشوارع العاصمة السودانية الخرطوم، يميز مراقبون رائحة أخرى إخوانية في الأجواء.
فأصوات الرصاص والمدافع التي دوت منذ صباح السبت الماضي في البلد المأزوم اقتصاديا، ويتحسس طريقه لتجاوز أزمته السياسية باتفاق إطاري حمل آمال شعبه لإنهاء سنوات فساد نظام الإخوان، أثارت عاصفة من التساؤلات حول من وضع العصا في دولاب الحل السياسي بتفجير المشهد الأمني.
ولا تزال المعارك دائرة حتى صباح اليوم الإثنين بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وبينما يلف مستقبل السودان الغموض، تبدو حقيقة دور الإخوان في تفجير الأزمة جلية.
النذير
الدهشة التي أصابت الأوساط السودانية قبل شهر، ربما تجد إجابتها اليوم، إذ طرح الظهور المفاجئ للأمين العام المكلف للحركة الإسلامية، علي كرتي، الكثير من علامات الاستفهام.
وكرتي معروف بقربه من الرئيس المعزول عمر البشير، وكان ظهوره للمشاركة في فعالية الملتقى التنظيمي الثاني لمنظومة العمل الموحد بمنطقة “بدينة” شرق ولاية الجزيرة وسط السودان، وهو ملاحق جنائياً على خلفية قضايا فساد مالي وحيازة عدد ضخم من الأراضي السكنة دون وجه حق.
وعلى ما يبدو حملت كلمات كرتي خلال مشاركته في الفعالية كلمة السر لبدء العد التنازلي للأزمة، بحسب مراقبين، حينما وجه نداء لأتباعه للاصطفاف من أجل ما قال إنه “استعادة السودان”.
ولم تمر كلمات كرتي دون تفسير، إذ أطلق منذ الوقت العديد من السياسيين والمراقبين تحذيرات بشأن ظهوره ودعوته.
أجراس إنذار
لكن أجراس الإنذار كانت سابقة حتى على ظهور كرتي، فخبراء وساسة في السودان، حذروا قبل 6 أشهر من تحركات إخوانية مثيرة للريبة.
وحينها سارع عضو المجلس المركزي لـ”قوى الحرية والتغيير” في السودان ياسر عرمان بدق ناقوس الخطر عبر صحيفة “الشرق الأوسط”، حيث حذر المجتمعَين الإقليمي والدولي، من مخاطر وشيكة تتهدد البلاد، بسبب اقتراب الإخوان “أنصار الرئيس المعزول عمر البشير ” من استعادة السلطة التي فقدوها في أبريل /نيسان 2019 بفعل ثورة شعبية.
وكشف عرمان وقتها شكل المؤامرة بقوله إن “الإسلاميين يبذلون جهودهم لخلق فتنة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، على أمل إضعافهما معا، ثم التسلل إلى داخلهما للسيطرة على الدولة؛ محذرًا من “أن حدوث ذلك قد يهدد الأمن الإقليمي”.
الإخوان والجيش
كانت تحذيرات عرمان واضحة بما فيه الكفاية لتجيب عن سؤال لم يكن قد طرح بعد، وكذا التهديدات الإخوانية للكاتب والصحفي لؤي قور الذي كتب في موقع الديمقراطي إن الإخوان تعتبر القوات المسلحة السودانية عدوها الأول والأكيد.
وفي مقاله حذر قور من “خطورة تصريحات علي كرتي”، إذ قرأ في كلماته إشارات لشيء ما يحاك في الظلام، مذكرا بالوعي الجمعي بمجزرة الإخوان ضد القوات المسلحة في رمضان 1991 التي استشهد فيها 29 ضابطًا بعضهم دفنوا أحياء حسب- قور- بشهادة علي عثمان محمد طه.
إفطارات إخوانية بشهية الدم
إشارة أخرى إلى دور الإخوان حملتها حفلات إفطار جماعية نظمها قادة في تنظيم الإخوان، بشروا خلالها بقرب حرب ضارية تعيدهم إلى المشهد السياسي.
وخلال هذه الفعاليات قال رموز النظام السابق إنهم يستعدون إلى العودة حتى وإن تطلب ذلك موجة عنف، وهو ما يفسر ما كتبه القيادي الإخواني عمار السجاد قبل أسبوع تقريبا على صفحته في موقع “فيسبوك”، ناصحاً كل من يستطيع مغادرة العاصمة الخرطوم أن يفعل.
وفي مارس/آذار الماضي أيضا حذر المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية من أنّ جماعة الإخوان تحشد مختلف أوراقها لإفشال الاتفاق الإطاري” لدق إسفين بين أجهزة القوات المسلحة، كما نقل موقع “دبنقا” السوداني، خلال الشهر نفسه تصريحات جعفر حسن الناطق الرسمي باسم الحرية والتغيير بشأن وجود مهددات للعملية السياسية تتمثل بما يقوم به الفلول الإخوان من خلال منصات متعددة داخل وخارج السودان تعمل على تغذية خطاب الكراهية بشكل مستمر، والغرض منها الوصول بالسودان إلى حالة انسداد مجتمعي شامل.
كما اتهم في مؤتمر صحفي مجموعة علي كرتي بتغذية الصراع بين الأجهزة العسكرية في السودان، وخلق فوضى داخل الدولة السودانية، وأيضاً عرقلة العملية السياسية وبث خطاب الكراهية بين مكونات الشعب السوداني”.
من المستفيد؟
ومن دون إشارات أو بصمات إخوانية واضحة على طريق الفتنة، يرى مراقبون أن التنظيم الإرهابي هو صاحب المصلحة في تفجير المشهد الداخلي وتعطيل الحل السياسي.
كما يرون أن إصرار الجيش في السودان على المضي قدما في تفكيك بنية النظام السابق عبر لجنة حكومية لإزالة التمكين الإخواني جعل من المؤسسة العسكرية خصما للجماعة، إلى جانب دوره في فتح ملفات فساد القيادات الإخوانية بمن في ذلك عمر البشير.
ويعتقد مراقبون أن تغلغل الإخوان في مؤسسات الدولة مكنهم من إشعال فتيل المعارك في السودان لإضعاف المكون العسكري في السلطة خاصة أن العداء الإخواني يمتد أيضا لقوات الدعم السريع إذ ترى الجماعة أنها تخلت عن الرئيس المعزول، رغم أنه هو من أعطاهم الشرعية ومنحهم الرتب والألقاب، وساهم في تسليحهم وطلب دمجهم في القوات المسلحة.