ميرنا المهدى ترفع “سلاح الأنثى” لقتل الذكور الأوغاد !
تتمكن الروائية المصرية ميرنا المهدي، من صنع أحداث بوليسية ونفسية مترابطة، ومتداخلة، من خلال أدوات سردية، وأحداث، وشخصيات مختلفة الدوافع والمصير، تحلل من خلالها ذكورية المجتمع العربي، بطريقة تتصف بالجرأة، عبر روايتها “دليل جدتي لقتل الأوغاد” الصادرة عن دار الكرمة للنشر والتوزيع 2023.
المهدي التي صدر لها من قبل راوية “ثلاثة عشر”، “قضية ست الحسن”، “صديقي السيكوباتي”، “قضية لوز مر”، و”روك آند رول”، اتبعت في رواياتها على الدوم الأحداث البوليسية المشتبكة مع المجتمع، لكنها هذه المرة تتخذ دور التحليل النفسي للشخصيات بشكل أكثر شمولا، وتنطلق إلى القضايا الأخلاقية الشائكة في المجتمع المصري والعربي.
الاختلاف الذي تذهب إليه المهدي، يضرب على صُلب المشهد، بهدف تعرية الواقع، فتدمج ما تتعرض له النساء، من وحشية ذكورية مع مجمل الممارسات الذكورية الاجتماعية.
فلا تمضي قضية الذكورية عند المهدي هذه المرة بضوابط اعتيادية ومألوفة، كأن يكون الرجل بقلبين، مثلما أورد الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني في روايته “من قتل ليلى الحايك” التي حلل من خلالها شخصية الرجل الذكوري، المعلق بين امرأتين، دامجًا أصواتًا مختلفة للجريمة تجاه المرأة، جسديًا ومعنويًا.
أو كما فعل الكاتب المصري وحيد الطويلة في “كاتيوشا”، حينما جعل السرد في عهدة المرأة، لتعبر عن ألمها من مشاركة أخرى لها في جسد رجلها.
إن الاختلاف الذي تذهب إليه ميرنا المهدي، يضرب على صُلب المشهد، بهدف تعرية الواقع، إذ تدمج خلال عملها، ما تتعرض له النساء، من وحشية ذكورية، ولا تكتفي بذلك، بل تذهب إلى مجمل الممارسات الاجتماعية الذكورية تجاه الأطفال، والرجال أيضا.
لغة السرد لدى ميرنا المهدي، تشكل عامل جذب لأدوات العمل، وذلك بما تمتلكه من سلاسة في تصوير المشاهد، ووصف الشخصيات، بل وفي طريقة إدارة الحوار فيما بينها.
غموض
وتعمل الحيلة الروائية منذ البداية تقريبا، حين تعلن الكاتبة عن جريمة حدثت في كواليس سردها، لكن دون الكشف عن تفاصيل أخرى.
هذا في عُرف السرد، يمثل تلاعبا من قبل الكاتبة بالحجارة الملونة للسرد، وإخفاء للحجر الأسود الذي تُدار من خلاله خريطة كاملة من التشويق، وبث الشغف خلال السرد، فمتى سيتم الكشف عن الجريمة؟ من المجرم؟ ما الدافع؟ خاصة أن الحديث يدور عن عائلة متباينة الشخصيات، في التركيب، وطريقة التفكير، وأسلوب المرء مع الحياة.
هذا هو الحب، قرص وهمي لا فائدة منه ومع ذلك نبتلعه بكامل إرادتنا حتى نتحمل نكد النساء وسخافة الزواج ومتطلبات الأطفال.
مقطع من الرواية
جزء من الشخصية متخفٍ في الكواليس
لا يتوقف الأمر في جانب الغموض عند الجريمة، فطريقة إدارة ميرنا المهدي لصعود الشخصيات إلى مسرح السرد، تحمل أيضاً، حيلة مصغرة، بحيث لا تنكشف أي شخصية في ظهورها الأول، بل يبقى عنصر أساسي من تركيب كل شخصية متخفيا في الكواليس.
وكأنما كل شخصية على المسرح على طريقة تركيب قطع البازل، فلا يمكن فهم الشخصية ودوافعها، وأسلوبها، وطريقة تجسيدها للدور، إلا في نهاية الرواية، ويبقى دوما العنصر المفقود في السرد هو الأهم والأكثر تأثيراً في الرواية.
لعبة الكراسي الموسيقية
كما أن لغة السرد لدى ميرنا المهدي، تشكل عامل جذب لأدوات العمل، وذلك بما تمتلكه من سلاسة في تصوير المشاهد، ووصف الشخصيات، بل وفي طريقة إدارة الحوار فيما بينها.
فالفصول السبعة التي تشكلت من خلالها بنية السرد، جاءت معنونة بعناوين مختلفة، وفي أعلى كل عنوان، اسم الراوي خلال الفصل، إذ تمكنت الكاتبة من المحافظة على ذلك التسلسل ما بين الفصول، فيما كانت تستغل هذا التقسيم، في زيادة الشحن والتوتر الشعوري للقارئ، وممارسة لعبة الكراسي الموسيقة مع الشخصيات، عبر 243 صفحة من القطع الصغير.
إدارة ميرنا المهدي لصعود الشخصيات إلى مسرح السرد، تحمل أيضا، حيلة مصغرة، بحيث لا تنكشف أي شخصية في ظهورها الأول.
شخصيات متباينة
وتتباين شخصيات العمل في طبيعتها ودوافعها، فالسيدة نصرة، المناضلة المشاركة في الدفاع عن مصر في حرب أكتوبر عام 1973، مثّلت الجدة الشخصية البؤرية في العمل، إذ هي التي تحرك القناعات، وتتغلغل بين الأحداث، من خلال جهوريتها، وطريقتها الصلبة في مواجهة قتامة الواقع، فكانت بمثابة دليل لقتل الأوغاد ومنعهم من تكرار جرمهم.
صراع نفسي
أما شخصية عيسى، المراهق الصغير، الذي تتأزم حياته بفعل ديستوبيا المجتمع، ويعاني صراعا نفسيا، يعزله عن الواقع لوقت طويل، وتكون صدمته مع زوج أخته، لحظة حاسمة في الرواية. يقول عيسى:
❞ زوج أختي انتهكني، فأخرستني أمي وعنفني أبي.
لم يرأف والداي لحالي، ولم يحنُوَا عليَّ.
لم أتلقَّ معاملة إنسانية إلا من كلبي ❝.
حوارات
وعلى طريقة الميكروفون السردي المتعدد، “البوليفوني” تتمكن كل شخصية خلال السرد، من طرح أفكارها والدفاع عن قناعاتها مطولًا.
فنجد “بتول” الشخصية المتوترة العنيفة، التي تحمل ذكرى سوداء في مخيلتها، جراء تعرضها للتحرش، في طفولتها، من معلمها، كما وتضع عصبة على مشاعرها تجاه أبيها، الذي خنق براءتها في تلك الحادثة عبر إتمام عملية ختانها، بحجّة الميل الجنسي المفترض.
حرية
أما الأم، صابرين، فتدفع ثمن حادثة قديمة، في بداية العمر، إذ يهملها زوجها، وتبقى مثل أي قطعة أثاث منزلية لمدة سبعة أعوام، ويتحول هو إلى وحش يتزوج النساء واحدة تلو الأخرى.
لكن صابرين اكتشفت الجزء الحر من شخصيتها، بفعل الدفع الاجتماعي من حولها، إذ تحولت إلى ضحية عنف الجميع من حولها، فتلاشت غمامة الخوف من نظرة المجتمع إليها.
وعرفت السيدة أن الطريق نحو التحرر، يكون بهدم كل الأجساد الحيوانية التي اعترضت طريقها، فكانت بحاجة إلى إطلاق طلقتين من مسدس الجدة نصرة، وصفعة وجه، مرّنت من خلالها يدها، وذهنها، على الحرية.
الرواية تتضمن سيلا حادا من الممارسات الاجتماعية الوحشية التي تتم بحق المرأة والأطفال، وحتى الذكور، فالأطفال من الجنسين، يخضعون للتعديات الاجتماعية من خلال القناعات العنيفة.
مانيكانات
ولم تكن شخصية بهيج أو أشرف سوى مانيكانات عرض للقذارة الاجتماعية، فهنالك ما أهو أكثر قتامة، في الواقع، هنالك نهر كبير يمضي في الخفاء، يتشكل من دموع ضحايا التحرش والشذوذ والاعتداء الجنسي في المجتمعات العربية، فلم يكن أي منهما يعرف الحب، ولا يشعره، لقد كانت الإنسانية عند الكلب الصغير الأبيض روي، خلال السرد، أكثر مما لديهما، يقول بهيج في إحدى حواراته:
❞ هذا هو الحب، قرص وهمي لا فائدة منه ومع ذلك نبتلعه بكامل إرادتنا حتى نتحمل نكد النساء وسخافة الزواج ومتطلبات الأطفال ❝.
في الرواية سيل حاد من الممارسات الاجتماعية الوحشية التي تتم بحق المرأة والأطفال، وحتى الذكور، فالأطفال من الجنسين، يخضعون للتعديات الاجتماعية من خلال القناعات العنيفة، والأفعال كذلك، والغريب أن معظمها يمضي في الخفاء، ودون تصريح أو مواجهة، ولعل هذه السردية، تأتي للتشجيع على فضح تلك الممارسات، والوقوف في وجهها بكافة الطرق.