تجاوب إيران مع الوكالة.. تفاد لضربة عسكرية أم تمهيد لمفاجأة نووية؟
تجاوب إيران مع الوكالة.. تفاد لضربة عسكرية أم تمهيد لمفاجأة نووية؟
في خطوة مفاجئة توصلت الوكالة الدولية وإيران إلى اتفاق بشأن الرقابة على برنامجها النووي، ما أثار تساؤلات بشأن دوافع طهران واحتمال أنها تحاول تفادي ضربة عسكرية تبدو وشيكة أو تسعى إلى شراء وقت لتفاجئ العالم باجتيازها عتبة إنتاج السلاح النووي.
هذا الاتفاق جاء في ظل تطورين بارزين، أحدهما مستمر منذ فترة، لكنه تكثف في الآونة الأخيرة، وهو تزايد التحركات والمناورات العسكرية بين الولايات المتحدة ودول في منطقة الشرق الأوسط على عداء مع إيران، ولاسيما إسرائيل والسعودية، خاصة مع الكشف عن مناورة أمريكية سعودية مرتقبة هي الأولى من نوعها لمكافحة الطائرات بدون طيار، أحد أبرز أسلحة طهران.
أما التطور الثاني فهو أن الوكالة اكتشفت في منشأة فوردو الإيرانية، في يناير/كانون الثاني الماضي، جزيئات يورانيوم مخصب بنسبة نقاء 83.7%، ما دفع معهد العلوم الأمن الدولي إلى القول إن إيران يمكنها إنتاج سلاح نووي خلال 12 يوما فقط. وهو ما يعني أن طهران بحاجة إلى كسب مزيد من الوقت.
وتتهم عواصم إقليمية وغربية إيران بامتلاك أجندة توسعية في المنطقة والتدخل في الشؤون الداخلية لدول عربية، منها اليمن ولبنان وسوريا والعراق، والسعي إلى إنتاج أسلحة نووية، بينما تقول طهران إنها تلتزم بمبادئ حُسن الجوار، وإن برنامجها مصمم للأغراض السلمية، بما فيها توليد الكهرباء.
وعامة، تعتبر كل من إسرائيل وإيران الدولة الأخرى العدو الأول لها، وتمتلك تل أبيب ترسانة نووية لم تُعلن عنها رسميا وغير خاضعة للرقابة، وتقول طهران إن أحد أسباب عدائها مع إسرائيل هو استمرار احتلالها لأراضٍ في فلسطين وسوريا ولبنان منذ حرب 5 يونيو/حزيران 1967.
كاميرات المراقبة
إثر عودته من طهران السبت، أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافايل جروسي أن طهران وافقت على إعادة تشغيل كاميرات مراقبة في عدة مواقع نووية وزيادة وتيرة عمليات التفتيش.
وأوضح جروسي، خلال مؤتمر صحفي في فيينا مقر الوكالة، أنه سيتم “قريبا جدا” تنفيذ الاتفاق بشأن كاميرات المراقبة وزيادة بالنصف في عدد عمليات تفتيش منشأة فوردو، حيث اكتُشفت جزيئات اليورانيوم المخصبة بنسبة 83.7%. وليس واضحا ما إذا كانت الجسيمات جزءا من خطة إيرانية متعمدة لزيادة تخصيبها أم أنها نتيجة خطأ.
وجاء الاتفاق قبل اجتماع الوكالة الإثنين في ظل خيارات بينها إحالة ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي.
وواصفا الاتفاق مع الإيرانيين بأنه “مهم جدا”، شدد جروسي على “إمكانية إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة”، في إشارة إلى الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني المبرم عام 2015، والذي انسحبت منه الولايات المتحدة في 2018.
وفي أبريل/نيسان 2021 بدأت مفاوضات في فيينا بين إيران والدول الأطراف (الصين وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا)، وبمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة، لكنها تعثرت منذ أغسطس/آب 2022، وتتبادل طهران وواشنطن المسؤولية عن الخلافات حول مسودة اتفاق.
وفرض اتفاق 2015 قيودا على برنامج إيران لمنعها من إنتاج أسلحة نووية مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، لكن واشنطن أعادت فرض العقوبات، ولاحقا توقفت إيران عن الالتزام بمعظم بنود الاتفاق وزادت مستوى تخصيب اليورانيوم.
جولة أوستن
ومنذ فترة، تتزايد زيارات مسؤولي دفاع أمريكيين إلى الشرق الأوسط وتحتل إيران قمة ملفاتها، في وقت أصبحت فيه المنطقة ساحة لتدريبات عسكرية عادة ما تشارك فيها الولايات المتحدة وإسرائيل وتشمل محاكاة لمهاجمة أهداف إيرانية، ما يثير تكهنات باحتمال توجيه ضربة عسكرية وشيكة لمنع طهران من تجاوز العتبة النووية.
والأحد، بدأ وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن من الأردن جولة في المنطقة تشمل أيضا إسرائيل ومصر.
وهذه الجولة تهدف إلى متابعة جهود إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لإقناع الجيوش العربية بتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون نحو إنشاء شبكة دفاع جوي إقليمية لحماية أنفسهم بشكل أكثر فعالية من التهديدات الجوية الإيرانية، بحسب موقع “المونتتور” الأمريكي.
كما أجرى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارك ميلي، الجمعة، مباحثات مع مسؤولين إسرائيليين، بينهم وزير الدفاع يوآف جالانت ورئيس الأركان هرتسي هليفي ورئيس جهاز الاستخبارات الخارجية (الموساد) ديفيد بارنيع، تضمنت “الحاجة إلى التعاون لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية”، وفق بيان للجيش الإسرائيلي.
وأضاف الجيش أن المناقشات شملت التحديات الأمنية الإقليمية، وتوسيع فرص التعاون التشغيلي والتنسيق بين الجيوش، للحماية من التهديدات الإقليمية.
مناورات مكثفة
ونقلا عن 4 مسؤولين عسكريين أمريكيين، كشف “المونيتور” الأحد أن الولايات المتحدة والسعودية تخططان لبدء أول مناورة تدريبية مشتركة لمكافحة الطائرات بدون طيار بالمملكة في الأسبوع الأخير من مارس/آذار الجاري.
ويقول مسؤولو دفاع أمريكيون، وفق الموقع، إن إيران تواصل شحن صواريخها وطائراتها بدون طيار إلى مجموعات تعمل لصالحها بالوكالة في المنطقة، ما يؤدي إلى مخاوف من أن العدد الهائل من المقذوفات الإيرانية يمكن أن يكون ساحقا للدفاعات الجوية الإقليمية إذا اندلع صراع مفتوح مع طهران أو وكلائها.
وهذه المناورة، بحسب الموقع، من أفكار قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال مايكل إريك كوريلا، وأهم خطوة في جهود وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) المتأخرة للتكيف مع التقدم السريع الذي حققته إيران في حرب الطائرات بدون طيار في السنوات الأخيرة.
والجمعة، أعلن الجيش الإسرائيلي انتهاء مناورات برية مشتركة مع قوات من مشاة البحرية الأمريكية تابعة للقيادة الوسطى، موضحا أن المناورات حاكت تعزيز التعاون المشترك بين القوات البرية للجيشين إلى جانب سلاح المدفعية.
وللمرة الأولى، شملت المناورات تنسيق ضربة جوية محتملة لمنشآت نووية إيرانية تشارك فيها عشرات الطائرات المقاتلة والأسطول البحري، الذي شمل سفنا حربية وغواصات وحاملة طائرات أمريكية وصلت خصيصا إلى المنطقة.
وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أجرت الولايات المتحدة وإسرائيل ما وصفها مسؤولون أمريكيون وإسرائيليون بأنها أهم مناورة عسكرية مشتركة للحليفين حتى الآن، بمشاركة آلاف من العسكريين وعشرات السفن و142 طائرة تشمل قاذفات ذات قدرات نووية.
12 يوما فقط
وربما تحاول إيران كسب بعض الوقت عبر استغلال الانشغال الإسرائيلي بالأزمة السياسية الداخلية جراء خطة الحكومة لـ”إصلاح القضاء”، بجانب التورط الأمريكي المتزايد في الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة منذ عام، حتى تتمكن من الحصول على مقاتلات روسية وصواريخ إس 400، ما قد يُعقد أي عمل عسكري محتمل ضد طهران، وفق مراقبين.
ويبدو أن طهران تحتاج لقليل من الوقت للانضمام إلى نادي الدول النووية، حيث تظهر بيانات تقرير الوكالة الدولية أن طهران أقرب من أي وقت مضى إلى تجاوز العتبة النووية، بحسب ما خلص إليه معهد العلوم والأمن الدولي، ومقره في واشنطن، بعد تحليله لتقرير الوكالة بشأن مستوى تخصيب اليورانيوم في إيران.
وقال المعهد إن يمكن لطهران أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم المخصب لتصنيع سلاح نووي واحد خلال 12 يوما فقط، و4 أسلحة إضافية خلال شهر، و7 أسلحة في 3 أشهر.
وأفاد باحتمال أن إيران اختبرت طريقة لإنتاج يورانيوم شبه مُعد للاستخدام في صنع الأسلحة دون أن تكتشف الوكالة ذلك، حيث أدى قرار طهران في فبراير/شباط 2021 وقف التعاون مع الوكالة إلى تقييد نافذة التحقق من الأنشطة النووية.
كما يثير هذا التخصيب المرتفع لليورانيوم احتمال أنه “يمكن لإيران أن تكدس مخزونا سريا من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة، والتي يمكن نشرها في المستقبل بمعمل تخصيب سري”، وفق المعهد.
رباعية دينيس روس
وداعيا إلى تغيير استراتجية تعامل واشنطن مع طهران، اعتبر الدبلوماسي الأمريكي المخضرم دينيس روس أن اكتشاف الوكالة بشأن مستوى تخصيب اليورانيوم “يؤكد الاعتقاد الإسرائيلي الراسخ بأن النهج الحالي للولايات المتحدة وحلفائها سيؤدي في النهاية إلى حصول إيران على قنبلة نووية”.
وقال روس المستشار بمعهد واشنطن، في مقال نشرته مجلة “ذا أتلانتك” الأمريكية، إنه ينبغي تشكيل استجابة أمريكية فعالة من أربعة أجزاء، الأول هو أن يؤكد بايدن لإيران أن أفعالها تقربها أكثر فأكثر من القنبلة، وأن ذلك يعرض بنيتها التحتية النووية بالكامل للخطر، وهو تأكيد من شأنه أن يشير إلى أن واشنطن بدأت إعداد الرأي العام الأمريكي والمجتمع الدولي لعمل عسكري محتمل ضد إيران.
وثانيا، وفق روس، يجب أن تكرر الولايات المتحدة مشاركتها في تدريبات على هجمات جو-أرض في المنطقة، والانخرط بشكل واضح مع الإسرائيليين والسعوديين والإماراتيين وغيرهم في المشاورات والتدريبات الرامية إلى صد أي هجمات إيرانية محتملة ضد تلك الدول.
واعتبر أن هذا سيُظهر أن واشنطن لا تستعد لهجوم محتمل على إيران فحسب، بل تتوقع أيضا كيف يمكن للإيرانيين الانتقام من حلفائها في المنطقة، وكيف خططت واشنطن لإحباط ذلك.
وثالثا، ضرورة توفير المواد والذخيرة التي من شأنها أن تجعل أي ضربات إسرائيلية لإيران أكثر فعالية، نظرا لبعد المسافات حيث تحتاج طائرات تل أبيب للتزود بالوقود لتتمكن من ضرب أهداف إيرانية محصنة، وفق روس.
وأخيرا، بحسب روس، يجب على إدارة بايدن أن ترد على وكلاء إيران لتتأكد طهران من أن القيود السابقة لم تعد سارية، حيث تم استهداف القوات الأمريكية في سوريا مرتين، في فبراير/شباط الماضي، من طرف ميليشيات شيعية إيرانية، ولم ترد واشنطن.
ورجح روس أنه إذا تبنت واشنطن كل هذه الإجراءات، فسيلاحظ الإيرانيون ذلك، والهدف هو حملهم على وقف تقدم برنامجهم النووي، والعودة إلى المسار الدبلوماسي.