لغز حوادث التسمم الجماعي الغامضة للطالبات في إيران.. ما القصة؟

دفعت حوادث التسمم الجماعي الكارثية والغامضة في عدة مناطق بإيران خلال الفترة الأخيرة بين تلاميذ المدارس، السلطاتِ الإيرانية لفتح تحقيق موسّع في هذا الشأن، وسط تضارب الأنباء حول مصدر التسمم، وبحث عن سببه الحقيقي.

وبحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الإيرانية، فإن عشرات الفتيات في 26 مدرسة على الأقل في جميع أنحاء البلاد أُصِبن بالأعراض، يوم الأربعاء، وهو ما يمثّل تصاعداً واضحاً في عدد الحالات.

كما أبلغ العديد من الأشخاص عن أعراض مماثلة، ومنها مشاكل في الجهاز التنفسي، والغثيان، والدوخة، والتعب.

وخلال الـ3 أشهر الماضية، أصيب أكثر من 1000 تلميذ إيراني، معظمهم من الفتيات، بأعراض التسمم الغامض.

وكان المدعي العام في طهران علي صالحي أعلن، الخميس، عن تشكيل لجنة خاصة لمتابعة القضية، محذّراً من أن “الجناة” سيواجهون عقوبات قانونية صارمة.

وجاءت تصريحاته بعد أن أبلغت عدة مدارس في العاصمة الإيرانية طهران عن حالات مرض غامض، أرسل مئات من طالبات المدارس إلى المستشفيات خلال الأشهر الأخيرة.

ونقل شهريار حيدري عضو لجنة الأمن الداخلي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني عن “مصدر موثوق” قولَه، إن ما يقرب من 900 تلميذة تسمّموا بمدن مختلفة حتى الآن، بحسب ما نقلت وسائل الإعلام المحلية.

وقال المدعي العام، إن “التحقيقات بدأت على الفور بعد الإبلاغ عن أولى حالات التسمم في طهران بالتعاون مع مؤسسات أخرى ذات صلة”.

وجرى إدخال مئات طالبات المدارس المستشفيات بمدن مختلفة في أنحاء البلاد منذ نوفمبر العام الماضي، فيما وُصف بأنه “موجة من مرض غامض”.

جدير بالذكر، أنه أبلغ عن أول حالة معروفة في مدرسة في مدينة قم، حيث أصيبت 18 تلميذة بأعراض مرضية، ونُقلن إلى المستشفى في 30 نوفمبر/تشرين الثاني.

ومنذ ذلك الحين، تضررت 58 مدرسة على الأقل في ثماني محافظات، بحسب وسائل إعلام محلية.

وشملت معظم الحالات فتيات في المدارس الابتدائية والثانوية، على الرغم من وجود بعض التقارير عن إصابة تلاميذ ذكور ومدرسين أيضاً.

وزار وزير الصحة بهرام عين الله، المدينةَ منتصف فبراير/شباط الماضي، وقال إن عديداً من العينات من تلميذات جرى قَبولهن بمستشفًى محليّ أُخذت للاختبار بمعهد باستور في طهران.

وفي الحادثة الأخيرة التي أوردتها وسائل الإعلام المحلية، الأسبوع الماضي، جرى إدخال ما لا يقل عن 15 تلميذة إلى مستشفى في قم، بعد شكواهم من مشكلات بالجهاز التنفسي.

ومن قم انتشرت الموجة تدريجياً إلى مدن أخرى، مرسِلةً موجات صدمة في أنحاء البلاد.

ووردت أنباء، الأربعاء، عن تسمّم طالبات في 11 مدرسة للبنات في مدينة “أردبيل” الشمالية، “بعد شم غاز، أو شيء مشابه”.

وأفاد تقرير صادر عن وكالة أنباء حكومية، بأنه جرى إدخال ما لا يقل عن 400 تلميذة المستشفيات والمراكز الطبية في “أردبيل” مع ظهور أعراض تسمم، وخرجت 302 تلميذة في وقت لاحق.

وقال الدكتور علي محمديان، رئيس جامعة “أردبيل” للعلوم الطبية للإذاعة الحكومية، إن معظم الطالبات “في حالة جيدة”، بينما يعاني 5% منهم على الأقل من أعراض حادة.

قالت إحدى الطالبات في مدرسة في شهريار، بالقرب من طهران، إنها وزملاء في فصلها اشتمّوا “شيئاً غريباً جداً”.

وتابعت لـ”بي بي سي فارسي“، أنّ الرائحة كانت “كريهة للغاية، مثل الفاكهة المتعفنة ولكنها أشد قوة”.

وأضافت أنه في اليوم التالي: “مرض العديد من الطلاب ولم يأتوا إلى المدرسة، كما مرض مدرس الأدب الإنجليزي لدينا”.

وكشفت أنها عندما عادت إلى المنزل، “شعرت بالدوار والمرض، وكانت والدتي قلقة لأنني كنت شاحبة للغاية وأعاني ضيق التنفس”.

وقالت: “لحسن الحظ تعافيت قريباً”. “تعافى معظم الأطفال في مدرستنا خلال 24 ساعة”.

وأكدت أن مديرة المدرسة ومديريها “خائفون”. وبعد إعلان تقارير عن حالات في مدارس أخرى، “جاؤوا وأخبرونا ألا نتحدث عما حدث”.

مرض غامض أم حوادث تسميم متعمّدة لهدف ما؟
هذا وقدّم المسؤولون الحكوميون أسباباً متضاربة لمرض التلاميذ، وأمر الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، بإجراء تحقيق لمعرفة “السبب الجذري”.

ويعتقد كثيرون في إيران أنّ الطلاب يتعرضون للتسمم عمداً في محاولة لإغلاق مدارس الفتيات، التي كانت واحدة من مراكز الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ سبتمبر/أيلول الماضي.

وأشار بعض التلاميذ وأولياء الأمور إلى احتمال استهداف فتيات المدارس لمشاركتهن في الاحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة. لكن سبب المرض لا يزال غير واضح.

خبراء يعلّقون
خبير الأسلحة الكيماوية دان كاسزيتا، الزميل المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، قال إن “العثور على المادة المسببة المزعومة غالباً ما يكون الدليل الوحيد المفيد، ولكنه قد يكون صعباً للغاية”.

وأضاف أنه نظراً لأن المواد المسببة للمرض يمكن أن تتحلّل، فإن جمع العينة “يتطلب إلى حد كبير أن تكون هناك، مع المعدات المناسبة، في وقت التعرض”.

وتابع أن العديد من روايات الشهود من إيران ركزت على الروائح، التي تصف رائحة اليوسفي أو رائحة السمك الفاسدة، لكن هذا قد يكون مضلّلاً.

وأوضح أنه من الصعب ربط الروائح المختلفة الموصوفة في الحوادث الإيرانية بمخاطر كيماوية معينة.

من جانبه، راجع أليستر هاي، أستاذ علم السموم البيئية في جامعة ليدز، نتائج اختبارات الدم من بعض تلميذات المدارس الإيرانية، لكنه قال إنه لم يتمّ اكتشاف أي سموم. وقال إنهم حصلوا على هذه النتائج بشكل غير رسمي من مصادر في إيران.

وقال البروفيسور هاي، الذي حقّق في هجمات كيماوية محتملة في جميع أنحاء العالم: “من الصعب استبعاد أو التأكد من أي شيء في هذه المرحلة لأن ذلك سيتطلب فحصاً كاملاً لمجموعة متنوعة من الأشياء”.

ومع ذلك، فقد استبعد غاز الأعصاب أو سم العضوي، المستخدم في مبيدات الآفات الزراعية.

وقال: “المهم في هذه الحالات هو أن الناس تعافوا بشكل عام بسرعة كبيرة، في غضون 24 ساعة”، موضحاً أنه في كثير من حالات التسمم، “يمرض الضحايا لبعض الوقت”.

ونصح البروفيسور هاي بضرورة اتباع المحققين نهجاً “منظم للغاية”، وإجراء مقابلات شاملة مع جميع المرضى، بالإضافة إلى إجراء اختبارات الدم والبول.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى