جدار الخلافات التركي اليوناني يتصدع.. “سيناريو 99” في الأفق
مع كارثة 6 فبراير/شباط الجاري والتي أوقعت آلاف القتلى والجرحى، تصدعت مع هزاتها الارتدادية الخلافات المزمنة، استجابة للنداء الإنساني.
ذلك النداء والذي استنفر معظم شعوب العالم لإغاثة سوريا وتركيا؛ البلدين المنكوبين، قفز فوق الخلافات السياسية بين البلدين، وجعل من إمكانية حلحلة تلك الخلافات أمرًا ليس بالمعقد، وخاصة بعد الاستجابات الاستثنائية لتلك الكارثة.
أحد تلك الخلافات المزمنة بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، والتي وضعت “دبلوماسية الزلازل” حدًا لتفاقمها، في انتظار اللمسات النهائية على أي اتفاق من شأنه أن يعيد تطبيع علاقات.
فماذا حدث؟
يقول موقع “جريك ريبورتر”، إن العلاقات بين أثينا وأنقرة وصلت في الأعوام الأخيرة إلى أدنى مستوى لها منذ أن كاد البلدان يخوضان حربًا على خلفية أزمة إيميا عام 1995.
إلا أنه مع ذلك، فإن هناك آمالا متزايدة في أن إظهار حسن النية مؤخرًا في أعقاب الزلازل التي هزت تركيا في وقت سابق من هذا الشهر يمكن أن يساهم في تطبيع العلاقات بينهما.
واستدل الموقع اليوناني على رؤيته، بأن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أجرى الأسبوع الماضي حديثًا مطولاً عن احتمالات الانفراج بين اليونان وتركيا، إضافة إلى أن اليونان استجابت للزلازل الذي هز أجزاء من جنوب تركيا وشمال سوريا من خلال إرسال المساعدات بسرعة، فضلا عن إرسالها وحدة متخصصة للإغاثة من الكوارث وهي جزء من خدمة الإطفاء اليونانية.
كما دفعت الكارثة الطبيعية رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الدخول في محادثة مباشرة لأول مرة منذ مارس/أذار من العام الماضي.
أجندة إيجابية
وفي حديثه إلى الصحافة اليونانية في المناطق المنكوبة بالزلزال في تركيا، قال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو: “هناك مجالات يجب إحراز تقدم فيها خطوة بخطوة. يجب أن تكون هناك أجندة إيجابية وكان هذا أحد مقترحات نيكوس ديندياس عندما كان في أنقرة بعد التوترات التي كانت لدينا في شرق البحر الأبيض المتوسط”.
فـ”على سبيل المثال، دعونا نواصل محادثاتنا، والمحادثات الاستكشافية، وإجراءات بناء الثقة بين الجيش على مستوى حلف شمال الأطلسي وعلى المستوى الثنائي،” يقول تشاووش أوغلو، مضيفًا: “لقد قدمنا المقترحات وننتظر ردًا من الجانب اليوناني”.
وردت مصادر دبلوماسية يونانية على تصريحات وزير الخارجية التركي، قائلة: “تعمل اليونان بشكل منهجي على تعزيز علاقات حسن الجوار والسلام والاستقرار في المنطقة الأوسع، وحل القضايا العالقة مع جيرانها بناءً على تطبيق القانون الدولي، في سياق احترام مبادئ وقيم ميثاق الأمم المتحدة”.
وفي معرض رده على العلاقات الثنائية بين اليونان وتركيا، أضاف جاويش أوغلو: “في الماضي كنا ندعم بعضنا البعض كجيران. نعم، كانت لدينا خلافات وأحيانًا تصعيد. ومع ذلك، كما ناقشنا مع نيكوس ديندياس في الطريق إلى هاتاي، يجب أن نهدئ التصعيد وألا ننتظر حدوث كارثة أخرى من أجل العمل معًا”.
دبلوماسية الزلازل
ويقول موقع “جريك ريبورتر”، إنها ليست المرة الأولى التي تفتح فيها كارثة طبيعية نافذة من الفرص لأثينا وأنقرة لتهدئة التوترات المتصاعدة؛ ففي عام 1999، ضرب كلا البلدين زلازل متتابعة، جعلتهما ينحيان فترة العداء الطويلة جانبًا ويستجيبان لإرسال مساعدات إنسانية وإغاثة.
وقبل ثلاث سنوات فقط من وقوع الزلازل في اليونان وتركيا، كان البلدان قد خاضا حربًا تقريبًا بسبب جزيرتين صغيرتين غير مأهولتين تعرفان باسم إيميا باللغة اليونانية وكرداك بالتركية.
ومع تجنب البلدين -في ذلك الوقت- مواجهة عسكرية خطيرة في الساعة الحادية عشرة إلى حد كبير بفضل التدخل الدبلوماسي الأمريكي في الوقت المناسب، دخلت واشنطن حاليًا على خط الأزمة بين اليونان وتركيا ، مطالبة إياهما بحل خلافاتهما.
دعوة أمريكية
فوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن حث اليوم الثلاثاء، اليونان وتركيا على التواصل لحل الخلافات بينهما وتجنب الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تفاقم حدة التوتر.
وتتمتع تركيا واليونان بعضوية حلف شمال الأطلسي، وهما أيضا جارتان بينهما خلافات حول جملة من القضايا، منها حقوق استخراج المعادن في بحر إيجة والمجال الجوي والوضع في قبرص المنقسمة عرقيا.
وتفاقمت حدة التوترات مؤخرا، لكن اليونان كانت من أوائل الدول التي أرسلت عمال إنقاذ للمساعدة في انتشال الناجين من تحت الأنقاض بعد الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا هذا الشهر وأسفر عن مقتل عشرات الآلاف.
وقال بلينكن في مؤتمر صحفي في أثينا: “من مصلحة اليونان وتركيا إيجاد طرق لحل الخلافات القائمة بينهما منذ فترة طويلة من خلال الحوار والطرق الدبلوماسية”.
مساعدة غير مشروطة
ودعا بلينكن الجانبين إلى “عدم اتخاذ أي إجراءات أحادية الجانب أو توجيه عبارات غاضبة من شأنها أن تجعل الأمور أكثر صعوبة”.
وقال وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس في المؤتمر الصحفي إن أثينا لا تتوقع أي شيء مقابل الدعم الذي قدمته إلى تركيا والذي تضمن خياما وأسرّة وبطانيات لدعم مئات الآلاف من المشردين، مضيفًا: “من واجبنا مساعدة رفقائنا الذين يعانون وسنواصل ذلك”.
وأضاف “إذا تحسن مناخ علاقاتنا من خلال التواصل بين المجتمعين، فسيكون لهذا الأمر صدى على المجال السياسي. لكني أكرر أن اليونان لا تسعى إلى مقايضات من الجانب التركي من خلال المساعدات التي تقدمها لضحايا الزلزال”.