هل يؤدي زلزال تركيا المدمر إلى تأجيل الانتخابات؟
وسط مأساة الشعب التركي جرّاء الزلزال الذي ضرب مناطق جنوبي البلاد في 6 فبراير/شباط الجاري، وتوابعه المدمّرة التي خلّفت أكثر من 35 ألف قتيل، يتصاعد الجدل في تركيا حول موعد الانتخابات العامة (الرئاسية والبرلمانية) المقررة، حتى الآن، في 14 مايو/أيار المقبل.
فقد أثارت موافقة البرلمان التركي على إعلان الحكومة حالة الطوارئ في 10 محافظات، جراء الزلزال، العديد من التكهنات بشأن مصير الانتخابات.
وحسب قانون الطوارئ، فإن الصلاحيات التي يمنحها استثنائيًا للسلطات التنفيذية تشمل السماح لرئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بتجاوز البرلمان فيما يتعلق بسن قوانين جديدة أو فرض قيود على الحقوق والحريات أو تعليقها وفقا لما يرونه ضروريا.
لكن السلطات التركية أعلنت أن الهدف من إعلان حالة الطوارئ هو تسهيل إغاثة المنكوبين واحتواء الدمار الذي أحدثه الزلزال الذي بلغت شدته 7.8 درجة على مقياس ريختر، وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان أن تطبيق قانون الطوارئ ضرورة ستساهم أيضًا في مكافحة المنتفعين من الكارثة.
ووفق نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، الذي يقود عمليات الإنقاذ في المناطق المتضررة من الزلزال وتوابعه، فإن حوالي 1.5 مليون من متضرّري الزلزال يقيمون في مراكز الإيواء، وتمَّ إجلاء 400 ألف شخص من المناطق المنكوبة، كما أن 80 ألف مصاب يتلقون العلاج في المستشفيات.
ويقطن الولايات المنكوبة والخاضعة لحالة الطوارئ، حوالي 10 ملايين نسمة (15% من إجمالي السكان)، مع أحقية نسبة كبيرة منهم في ممارسة حقوقهم السياسية، لا سيما المشاركة في الانتخابات المقبلة، التي لم تعد تشغل الداخل التركي فقط في ضوء تزامنها مع عدة تطورات، لا سيما الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية، الأمر الذي يجعلها تحظى باهتمام إقليمي-دولي.
ونقل تقرير موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، عن مصدر تركي مطالع قوله: “لم تَعُد فكرة عقد الانتخابات في مايو/أيار واقعيةً الآن”.
ويضيف أن “دمار البنية التحتية، وإعادة توطين الناجين من الزلزال، هي أمورٌ ربما تقتضي عقد الانتخابات في موعدها الأصلي بشهر يونيو/حزيران، أو حتى بعده”.
وكان “أردوغان” أعلن الشهر الماضي، مدعومًا بصلاحياته الدستورية، تقديم موعد الانتخابات إلى 14 مايو/أيار المقبل، بهدف توفير أجواء مناسبة للتصويت، حتى لا يتأثر بمواعيد ومناسبات تؤثر سلبيًّا على مشاركة فئات فيها إذا أُجريت في 18 يونيو/حزيران الذي تتم فيه امتحانات الجامعات التركية، ما يحدّ من مشاركة آلاف الطلاب في التصويت.
ويتزامن مع يونيو/حزيران موسم الحج وعطلة عيد الأضحى، وقيام عشرات الآلاف من الشريحة المتديّنة المحسوبة على القواعد التصويتية التقليدية لحزب العدالة والتنمية بأداء الشعائر المقدسة، كما أن احتمالات الذهاب إلى جولة إعادة رجّحت تبكير موعد الانتخابات إلى 14 مايو/أيار، حتى لا تتزامن مع عطلة عيد الأضحى.
ويدرس مسؤولو الحزب الحاكم الخيارات المختلفة للتأجيل المحتمَل، لكنهم لم يتخذوا قرارهم النهائي بعد، ولم يتخذوا أي خطوات على هذا الصعيد، في ظل تركيز جميع الجهود على الزلزال وإنقاذ الآلاف من المواطنين.
ولا شك أن أي محاولةٍ لتأجيل الانتخابات ستكون لها تداعياتها القانونية، بينما تراجع السلطات المسؤولة عن الانتخابات ما يمكنها فعله لتأجيل الموعد، وما ينص عليه الدستور قانونياً في هذا الصدد.
ويجمع خبراء الدستور والقانون في البلاد على مسألة عدم ربط حالة الطوارئ بتأجيل الانتخابات، وذهبوا جميعا، حسب إفادات منفصلة للصحف المحلية، إلى أن السبب الحصري لتأجيل الانتخابات هو الحرب.
ويقول رئيس المحكمة الدستورية السابق يكتا غونغور أوزدن: “يمكن دائما إعلان حالة الطوارئ مع وجود مبرر، ولكن لا يمكن أن يكون الأمر هو تأجيل الانتخابات أو عدم إجرائها”.
ويضيف: “لا توجد مادة في الدستور تنص على قانونية عدم إجراء الانتخابات في مثل هذه الأحوال”.
ويتفق معه عثمان كان أستاذ القانون الدستوري البارز، وهو يقول إن المادة (78) من الدستور التركي واضحة: “يستطيع البرلمان تأجيل الانتخابات لعامٍ واحد إذا كانت تركيا في حالة حربٍ فقط”.
أما المحامي والباحث في القانون الدستوري بجامعة مرمرة، فرحات كوتشوك، فيقول إن النطاق الدستوري والقانوني لهذه القضية واضح للغاية بالفعل.
ويضيف: “أكثر جوانبه وضوحًا أن الانتخابات لا تؤجل إلا في حالة الحرب أو حالة العجز عن إجرائها”.
ومن هذه النقطة يتحدث أنصار التأجيل فيقولون إن هناك طريقة أخرى تمر عبر المجلس الأعلى للانتخابات، الذي يُعَدُّ الحكم النهائي في النزاعات الانتخابية.
ويستطيع المجلس إصدار قرارٍ بعدم جاهزيته لعقد الانتخابات في المحافظات الـ10 الأشد تضرراً، وإبان إعادة توطين الناخبين في المدن الأخرى بوتيرةٍ غير مسبوقة.
فهناك عدة عراقيل تواجه الانتخابات العامة في تركيا، خاصة الإجراءات التقنية اللوجستية، حيث تلزم التشريعات المنظمة لمباشرة الحقوق السياسية أجهزة الدولة في حدود اختصاصها بتوفير الأجواء المناسبة والمعايير المحددة لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، عبر الاقتراع السرّي العام المباشر من الناخبين، مع إلزام كل ناخب بمباشرة هذا الحق بنفسه، بعد منح المرشحين فرصة الدعاية المناسبة، وتوفير لجان الاقتراع، وتأمين الفرز، وإعلان النتائج.
ولم تعد هذه المعايير التي تتطلبها عملية إجراء الانتخابات متحققة، نتيجة تضرر البنية التحتية في أكثر من 10 ولايات تركية بالجنوب.
كما يرى مراقبون أن الأجواء المشحونة في الولايات والمدن المتضررة في الجنوب التركي، حاليًّا، نتيجة كارثة الزلزال، وارتفاع عدد القتلى والمصابين، والخسائر في الممتلكات، فضلًا عن حالات النزوح الكبيرة، تغذّي حالة الغضب الشعبي بالجنوب، ومن ثم التأثير على اتجاهات الناخبين، وعليه فإن هذه الأجواء الاستثنائية تتعارض مع إجراء انتخابات حرة ونزيهة تعبّر عن المزاج الحقيقي للكتل التصويتية.
يشار إلى أن معظم هذه الولايات محسوب على القواعد التصويتية لحزب “العدالة والتنمية” (الحاكم)، حسب نتائج الانتخابات التركية عام 2018، باستثناء ولاية ديار بكر، التي صوّت معظمها، آنذاك، لصالح حزب “الشعوب الديمقراطي”، ما يعني أن إجراء الانتخابات المقبلة من دون ولايات الجنوب سيكون خصمًا من شفافيتها.
يُذكر أن المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا حكم بإمكانية تأجيل الانتخابات المحلية عام 1966، عقب الزلزال الذي ضرب المحافظات الشرقية قبل يومين من الاقتراع، ما جعل عقد الانتخابات أمراً مستحيلاً.
في المقابل يقول “عثمان” إن الزلزالين المزدوجين الآن لم يخلقا الظروف نفسها على الرغم من شدتهما.
ويوضح بالقول: “يستطيع المجلس الأعلى للانتخابات تتبع الناخبين في حالة إعادة توطينهم، نظراً لامتلاكنا منظومة تسجيل شديدة العصرية ويمكن تحديثها. والأهم من ذلك أن أمامنا أكثر من 3 أشهر قبل موعد الانتخابات، ما يعني أن لدينا فسحة من الوقت”.
خبير قانون دستوري آخر، لديه خبرة عملية في المحكمة الدستورية التركية، تحدّث للموقع البريطاني رافضا الكشف عن هويته بالقول إنه “في حال قرر المجلس الأعلى للانتخابات تأجيل الانتخابات أحادياً، فلن تكون هناك أي محكمة يمكنها نقض الحكم”.
ويتابع: “تُعَدُّ قرارات المجلس الأعلى للانتخابات نهائية، ولا يمكن لأحدٍ الاعتراض عليها أمام المحكمة الدستورية.. لكنني لا أعتقد أن أعضاء المجلس سيوقعون على قرارٍ مثير للانقسام والجدل بهذه الدرجة”، حسب تعبيره.
بينما يشير مصدر مطلع على فكر المجلس، فيما يتعلق بهذه المسألة، إلى أن القضاة يفضلون أن يتحرك البرلمان من نفسه، بدلاً من أن يضعهم في موقفٍ صعب يحمل إشكاليةً من الناحية القانونية.
وهنا يوضح “عثمان” أن الطريقة المثالية لحل هذه المسألة ستأتي من خلال تعديل دستوري، حتى يمنح الحكومة سلطات مؤقتة لعلاج المشكلة.
ويضيف: “ستعثر الحكومة على طريقة لحل المشكلة إذا نجحت في إقناع أحزاب المعارضة، وحصلت على دعم 400 عضو في البرلمان”.
بينما يتوقع الصحفي التركي البارز، فاتح عطايلي، تأجيل الانتخابات، موضّحًا أن سيناريو ما بعد الزلزال يشير إلى احتمالية إرجاء الانتخابات لمدة 6 أشهر أو عام كامل.
ويلفت إلى أن جناح السلطة سيسند مهمة إرجاء الانتخابات إلى الهيئة العليا للانتخابات، التي ستعلن استحالة إدارة عملية الانتخابات بشكل كلّي في 4 ولايات وبشكل جزئي في 6 أخرى وستطالب بإرجاء الانتخابات، وبهذا سيتم إرجاء الانتخابات لمدة 6 أشهر على الأقل وربما عام كامل.
وهو اقتراح يدعو إليه رئيس مجلس النواب (البرلمان) السابق، بولنت أرينتش، عبر “تأجيل الانتخابات إلى نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أو دمجها مع الانتخابات المحلية، المقرر إجراؤها في عام 2024”.
وفي حالة الخلاف بين الخيارَين، دعا إلى تحديد موعد تتفق عليه جميع الأطراف السياسية، ويقول: “يجب تأجيل الانتخابات، إنها ليست ممكنة قانونيًّا وفعليًّا بعد الزلزال الذي ضرب 10 ولايات يمثلها 85 نائبًا في الجمعية الوطنية الكبرى لتركيا”.
وينبّه أرينتش إلى أن “القوائم الانتخابية في هذه الولايات باتت باطلة، وأصبح من المستحيل قانونيًّا وفعليًّا إجراء انتخابات في هذه المناطق، وأن البلاد بحاجة إلى الإنقاذ من ضغوط الانتخابات في هذه الأيام المليئة بالألم.. لن تكون هناك انتخابات في مايو/أيار أو يونيو/حزيران، لا يمكن أن تكون”.
وهنا يبرز التساؤل حول موقف أحزاب المعارضة، فتقول رئيسة حزب “الجيد”، ميرال أكشنار، إن “الانتخابات قد تتأخر حتى 18 يونيو/حزيران، لكن تأجيلها لمدة عام غير ممكن”.
ويتفق معها القيادي الكردي المعارض، صلاح الدين دميرتاش، وفق بيان منسوب إليه، يقول فيه: “أصدرت الحكومة تعليمات لمجموعة من المحامين لتأجيل الانتخابات.. يستعدون لتجاهل الدستور بفرض الأمر الواقع.. لا يمكن تأجيل الانتخابات إلا من قبل البرلمان، وبقرار إعلان حالة الحرب رسميًّا.. لا يوجد استثناء لهذا”.
ويتفق معه رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو (أكبر كيانات الطاولة السداسية المعارضة)، وهو يقول إن “المسؤول الرئيسي هو أردوغان، لأنه لم يُعدَّ تركيا خلال 20 عامًا لمواجهة الزلازل.. لا يمكن تأجيل الانتخابات إلا في حالة الحرب.. يجب تحديد موعد الانتخابات على الفور”.
وحتى هذه اللحظة، لم يتم الإعلان عن مصير انتخابات 14 مايو/أيار المقبل، وما إذا كانت ستؤجَّل لشهر أو 6 أشهر أو حتى عام، في ضوء الأجواء الدرامية في الجنوب التركي، غير أن القرار المتعلق بالانتخابات في الظروف العادية لا الاستثنائية، وسواء كانت مبكرة أو لا، سيكون في ملعب الرئيس والبرلمان واللجنة العليا للانتخابات.
وفي غير حالات الطوارئ، لا بدَّ أن يقرَّ البرلمان المؤلَّف من 600 مقعد بأغلبية 360 نائبًا على الأقل أي قرار يتعلق بالاستحقاق الانتخابي، ما يتطلب توافق الحكومة والمعارضة، وفي الحالات الاستثنائية يمكن لرئيس الجمهورية التوقيع على مرسوم بشأن الموقف الانتخابي.