بعد انتفاضة “الصناديق الفارغة” هل يستوعب قيس سعيّد رسائل التونسيين؟
الآن تبين على سبيل اليقين أن قيس سعيد لا يمتلك قاعدة شعبية ولا أتباعا ولا أنصارا، ولا شرعية أو مشروعية ولا شيء!
حقيقة العزوف ليست لأن أغلبية التونسيين مطبعون مع الفساد بل لأن 9% من الشعب لا يقلقهم المسار غير الديمقراطي والمنحى الانفرادي التسلطي.
قسم لا يستهان به اختار المقاومة ضد الاستبداد والرّداءة السائدة واختاروا التعبير عن ذلك بمقاطعة واسعة لهذا المسار الفاقد لأبسط مبادئ الشرعية.
بموجب دخول دستور 17 أغسطس 2022 حيز النفاذ، تعتبر مقاطعة قرابة 92% من شعب تونس للانتخابات التشريعية بمثابة سحب لتفويض قيس سعيد في ممارسة مهام رئيس الجمهورية.
* * *
استغل التونسيون الذكرى الثانية عشرة لعيد الثورة لتوجيه رسائل واضحة للرئيس قيس سعيّد تمثلت برفض 91 في المئة من الناخبين المشاركة في الانتخابات البرلمانية، ضمن ما وصفه البعض بـ”انتفاضة الصناديق الفارغة”.
وأكدت هيئة الانتخابات أن عدد المشاركين في الانتخابات البرلمانية، التي جرت السبت، بلغ 803 آلاف أي بنسبة 8.8% فقط من العدد الإجمالي للناخبين الذي يبلغ 9 ملايين و136 ألف ناخب.
وبرر رئيس هيئة الانتخابات، فاروق بوعسكر، نسبة الإقبال المتواضعة جدا بـ”تغير نظام الاقتراع وغياب المال السياسي عن الحملات الانتخابية”.
وأضاف، خلال الندوة المخصصة للإعلان عن النتائج الأولية “الانتخابات نظيفة، والحملة الانتخابية تدور لأول مرة في أجواء نقية من المال السياسي المشبوه الذي كان السبب وراء شراء الأصوات، ومن توظيف وسائل إعلام لفائدة أحزاب سياسية”.
وقال إن المرشحين البالغ عددهم 1055 “تمكنوا بمجهوداتهم الفردية ومواردهم الذاتية المتواضعة من استقطاب الناخبين البالغ عددهم 800 ألف صوت وإقناعهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع، لكن نسب المشاركة كان بالإمكان أن تكون أكثر بكثير في حال تواصل العمل بالنظام القانوني للتمويلات العمومية والأجنبية واستعمال الجمعيات والقنوات التلفزيونية”.
وأكد أن الهيئة “لم تدخر جهدا في القيام بالحملة التوعوية اللازمة في وسائل الإعلام السمعية والبصرية وفي الشارع وعبر الرسائل الهاتفية القصيرة، لإقناع الناخبين بالتوجه إلى صناديق الاقتراع”.
وخاطب الوزير السابق فوزي عبد الرحمن، بوعسكر، بقوله “إذا لم تستح فقل ما شئت”، مضيفا “حقيقة العزوف ليست لأن أغلبية التونسيين مطبعون مع الفساد كما جادت به قريحتك. بل لأن هناك 9% من الشعب لا يقلقهم هذا المسار غير الديمقراطي وهم غير مهتمين بالمنحى الانفرادي والمتسلط لقيس سعيد (مثلك تماما)، وحقيقة العزوف أن نسبة كبيرة من المواطنين لا يهمهم ما يجري في البلاد، هم ليسوا معك وليسوا مع رئيسك وليسوا مع الدولة. هم مستقيلون من الشأن العام تماما ولا تهمهم الأحزاب ولا قيس سعيد ولا هيئة بوعسكر”.
وتابع، في تدوينة على موقع فيسبوك “ثم إن هناك قسما لا يستهان به ممن اختاروا المقاومة ضد الاستبداد وضد الرّداءة السائدة (وأنت وهيئتك جزء هام منها) واختاروا التعبير عن ذلك بمقاطعة واسعة لهذا المسار الفاقد لأبسط مبادئ الشرعية، والدعوة للمقاطعة. هذه الدعوة كان لها صدى عند شرائح عديدة من الشعب التونسي، وطبيعي جدا أنك لا تستطيع رؤيتها أو قبولها، فأنت وضعت نفسك كجزء من هذه المنظومة المرفوضة”.
وكتب رياض الشعيبي مستشار رئيس حركة النهضة “زلزال انتخابات 17 ديسمبر لا يقل في أهميته عن ثورة الحرية والكرامة في 2010-2011. فالشعب التونسي بعث برسالة قوية لرئيس سلطة الانقلاب تقول له: إمّا أن تستقيل أو سنخرج قريبا للشارع لعزلك”.
وأضاف الوزير السابق، رفيق عبد السلام “الآن تبين على سبيل اليقين أن قيس سعيد لا يمتلك قاعدة شعبية ولا أتباعا ولا أنصارا، ولا شرعية أو مشروعية، و”لا شي” كيما يقول الصافي سعيد. يعني الرجل الآن متسلط على رقاب الشعب بالقوة المسلحة ومسايرة أجهزة الدولة له خوفا وترددا وليس أكثر من ذلك”.
وتابع بالقول “يجب أن تتوقف هذه المهزلة ويقول الجميع لقيس سعيد: كفى عبثا بالشعب والدولة، وليس أمامك إلا الرحيل عبر انتخابات رئاسية مبكرة. دخلت بالصندوق ويجب أن تخرج عبره بعدما دمرت البلد وأهلكت الحرث والنسل”.
ودعت جبهة الخلاص الوطني (أكبر تكتل معارض) الرئيس قيس سعيد للاستقالة من منصبه، معتبرة أنه “فقد شرعيته” بعد مقاطعة أكثر من 91 في المئة من التونسيين للانتخابات البرلمانية. كما توعّدت بتنظيم احتجاجات كبيرة للضغط على سعيد ودفعه للاستقالة.
وقال رئيس الهيئة أحمد نجيب الشابي “ما حدث اليوم زلزال. ومن هذه اللحظة نعتبر قيس سعيد رئيسا غير شرعي ونطالبه بالاستقالة بعد هذا الفشل الذريع”، مطالبا بالإعداد لـ”فترة انتقالية قصيرة وتعيين قاض ينظم انتخابات رئاسية وحوارا وطنيا لاحقا”.
وأشاد الحزب الجمهوري بالشعب التونسي “الذي أبى في الذكرى 12 لاندلاع ثورته المجيدة إلا أن يبعث برسالة عدم انخراط ورفض لمسار الانقلاب، ونزع عنه كل شرعية ومشروعية”، مطالبا على ضوء النتائج المعلنة واحتراما لإرادة التونسيين بـ”وقف هذا المسار العبثي (الانتخابات البرلمانية) وإلغاء دورته الثانية”.
كما طالب الرئيس قيس سعيد بـ”استخلاص النتائج المترتبة عن ذلك والتنحي عن الحكم، وفسح المجال أمام مرحلة انتقالية جديدة تؤمن عودة الاستقرار وتعافي مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية”.
ودعا “القوى الحية المتمسكة بإنقاذ البلاد” إلى “إطلاق مشاورات عاجلة تمهيدا لإطلاق حوار وطني ينتهي إلى إقرار خطة وطنية للإنقاذ ووضع برنامج متكامل للإصلاحات السياسية والاقتصادية ينتهي بتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها”.
ودعا حزب العمال الشعب التونسي وقواه التقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية إلى “اعتبار نظام قيس سعيد خارج الشرعية ومنتهيا، ويجب ترحيله فورا باعتباره خطرا على تونس وشعبها لاحتكامه لنفس خيارات التبعية والتفقير والاستبداد التي ثار ضدها شعبنا في مثل هذا اليوم من سنة 2010”.
كما دعا كل القوى التقدمية السياسية والاجتماعية والمدنية إلى “التشاور في أفق توحيد الجهود من أجل فرض بديل شعبي وطني ديمقراطي يصوغ خيارات جديدة تُستلهم من شعارات الثورة ومطالبها ويضع حدا للشعبوية وكل التعبيرات الظلامية والرجعية التي غدرت الثورة وخانت الشعب”.
وتحت عنوان “في انتهاء الوكالة”، كتب الخبير الدستوري، أمين محفوظ “بعد نهايتها بموجب دخول دستور 17 أوت (آب) 2022 حيز النفاذ، تعتبر مقاطعة قرابة 92 في المئة من الشعب التونسي للانتخابات التشريعية بمثابة سحب لوكالة قيس سعيد في ممارسة مهام رئيس الجمهورية التونسية”.