معهد GIGA: شمال افريقيا سيعانى أزمة غذاء بسبب حرب اوكرانيا

“شبح الماضي يعود مجددا”.. بهذه الكلمات سلط مدير معهد GIGA لدراسات الشرق الأوسط، “إيكارت ويرتز”، الضوء على تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على منظومة الأمن الغذائي لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مشيرا إلى أن تلك التداعيات مقلقة رغم عودة أسعار الغذاء إلى مستويات ما قبل الحرب.

وذكر “ويرتز”، في تحليل نشره موقع المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت في أوائل عام 2022، جراء حرب أوكرانيا، خاصة الحبوب والزيوت النباتية، حيث تمتلك كلا من روسيا وأوكرانيا حصصًا كبيرة في الصادرات العالمية، بواقع 30% للقمح والشعير، و30% للذرة، و75% لزيت دوار الشمس، مشيرا إلى أن العالم العربي لا يزال معتمدا على روسيا وأوكرانيا في مجمل هذه الصادرات، خاصة القمح، بنسبة تفوق الـ 50%.

وأضاف أن مصر ولبنان والسودان تمثل أكبر نقاط الضعف بمنظومة الأمن الغذائي في المنطقة، لافتا إلى تأثر الإنتاج الزراعي في بلدان أخرى أيضًا، نظرًا لأن روسيا وأوكرانيا مصدران رئيسيان للنيتروجين والفوسفات وأسمدة البوتاسيوم.

وبإضافة ارتفاع تكاليف الطاقة وتأثير التضخم على النظم الغذائية العالمية، يمكن توقع تأثر سلبي كبير في أمن الغذاء بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة في وقت يخضع فيه نظام الغذائي العالمي لتغيير كبير منذ سبعينيات القرن الماضي، نحو المزيد من العولمة وإضفاء الطابع المؤسسي على سلاسل القيمة.

وهنا يشير “ويرتز” إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أكبر منطقة مستوردة للحبوب في العالم، وتحقيق بلدانها للاكتفاء الذاتي من الغذاء ليس خيارًا، بسبب نقص المياه الذي تعاني منه، ما يعيد إلى الأذهان ذكريات أزمة الغذاء العالمية 2007-2008، عندما أعلنت الدول المصدرة للمنتجات الزراعية، مثل الأرجنتين وروسيا وفيتنام، قيودًا على التصدير خوفًا على أمنها الغذائي.

وفي الآونة الأخيرة، أدت اضطرابات سلسلة التوريد في أعقاب جائحة كورونا إلى تضاعف المخاوف بشأن موثوقية نظام تجارة الأغذية متعدد الأطراف، الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية.

وبحسب “ويرتز” فإن كثيرا من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا اضطرا إلى تقليص حجم الزراعة المحلية بعدما استُنفدت طبقات المياه الجوفية، وانكشاف حقيقة أن إنتاج الغذاء محليا سيؤدي إلى تهديد الأمن المائي.

كما تتنافس الاحتياجات المائية لإنتاج الحبوب مع مصالح بعض دول المنطقة في تصدير صناعات غذائية كبيرة تعتمد على الفواكه والخضروات، مثل تركيا وتونس والمغرب. وتعد تركيا تحديدا من بين أكبر 10 اقتصادات زراعية في العالم، وأكبر منتج للبندق والمشمش والتين والكرز.

وإزاء ذلك، يؤكد “ويرتز” أن بلدان المنطقة بحاجة إلى زيادة الواردات الغذائية في ظل النمو السكاني الكبير، مشيرا إلى أن تجارة المواد الغذائية الدولية اصبحم بمثابة “مياه افتراضية” يمكن لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تستوردها لتعويض النقص المائي لديها.

ويشير مدير معهد GIGA، في هذا الصدد، إلى احتياج بلدان المنطقة إلى الاتجاه نحو نظام الزراعة الموسمية، التي تعتمد على “المياه الخضراء”، وهي مياه الأمطار، بدلا من “المياه الزرقاء” التقليدية، مشيرا إلى أن الزراعة هي أكبر نشاط مستهلك للمياه في العالم، بنسبة 70% أغلبها يعتمد على مياه الأمطار.

لكن المشكلة تكمن في أن مياه الأمطارلا يمكن قياسها أو تعبئتها أو شحنها عبر خطوط الأنابيب، كما أن الإحصاءات العالمية حول إجمالي احتياطيات المياه المتجددة لا تظهر نسبتها بشكل دقيق، كما هو الحال بالنسبة للمياه السطحية والجوفية.

ما الحل إذن؟ يقترح “ويرتز” أن تجه بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى استيراد الحبوب الموسمية من دول كالبرازيل وكندا وفرنسا وأستراليا وروسيا أو أوكرانيا، وبذلك تستورد تلك البلدان فعليًا “مياه الأمطار” من هناك، بما يعني حل المشكلتين، الغذائية والمائية في آن واحد.

غير أن تحقيق هكذا مقترح يستلزم تبني دول المنطقة “دبلوماسية” في صميم استراتيجية الأمن الغذائي، وهو ما انتبهت له بعض دول الخليج، خاصة السعودية والإمارات، على مدى العقد الماضي.

وتستلزم تلك الدبلوماسية تعاون دول المنطقة في الهيئات الدولية لجعلها أكثر مرونة وتقبلًا لمصالح مستوردي الأغذية.

وهنا يؤكد “ويرتز” إلى أن غنى بعض البلدان الخليجية لن يضمن لها عزل نفسها عن الآثار المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية، “إذا كان انعدام الأمن الغذائي يهدد الاستقرار السياسي في المنطقة”.

وإزاء ذلك، فإن تعزيز التجارة الدولية في المواد الغذائية والدبلوماسية الداعمة لها يعد أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها، حسبما يرى “ويرتز”، مشددا على ضرورة تجنب قيود التصدير التي حدثت أثناء أزمة الغذاء العالمية 2007/2008.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى