إميل أمين يكتب: هرمجدون ليست نزهة نووية
قبل نحو أسبوع، وخلال حفل لجمع التبرعات في نيويورك، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن “لم نواجه احتمال حدوث هرمجدون، منذ زمن الرئيس كيندي، وأزمة الصواريخ الكوبية في العام 1962. واعتبر أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين “لم يكن يمزح”، عندما أطلق تلك التهديدات.
هذا الحديث لبايدن أربك أركان الإمبراطورية الأمريكية المرتبكة جدا في هذه الأوقات، لا سيما على عتبات انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، تلك التي يتوقع لها أن تضحى موعدا مفصليا، للكثير من التغيرات على صعيد المجتمع الأمريكي.
ما الذي يقصده بايدن بـ “هرمجدون”؟
من باب التذكير، هي المعركة التي يؤمن بها أصحاب اليمين الأصولي المتشدد في الداخل الأمريكي، ويعتقدون أن نهاية العالم، وفناء البشرية، مرتبط بها، ومجدو هذه قرية في فلسطين في أصل التعبير، وباتت كلمة هرمجدون، المكافئ الموضوعي للحرب النووية التي لا تبقي ولا تذر.
يتساءل المراقبون: “هل جاء التصريح كزلة من زلات لسان الرئيس الأمريكي المتكررة والتي عادة ما تضع الإدارة برمتها في حرج أمام العالم، أم أن هناك من يحاول بالفعل استدراج بوتين للقيام بمثل هذه المغامرة النووية، ومن ثم إدخال العالم في الجحيم النووي الذي لن يوفر أي من بني البشر؟
مهما يكن من أمر التساؤل وعلى أهميته، إلا أنه ينبغي القطع بأن أوقاتنا الحالية، تكاد تتجاوز في خطورتها ما عاشته الولايات المتحدة الأمريكية، في زمن الرئيس جون كيندي، وتحديدا في الفترة ما بين 14 و 28 أكتوبر تشرين أول عام 1962، حين اكتشفت الأقمار الاصطناعية الأمريكية، قواعد صواريخ باليستية في جزيرة كوبا على القرب من ولاية فلوريدا، وكاد المشهد أن يقود إلى مواجهة نووية بين الاتحاد السوفيتي (السابق) والولايات المتحدة الأمريكية.
هل اليوم يشابه الأمس في خطورته؟
من أسف شديد، اليوم أخطر كثيرا من الأمس، لا سيما في ظل حرب مفتوحة على جميع الاحتمالات، ولا يعرف أحد، كيف يمكن أن تنتهي، وإلى أي مدى يمكن أن تطول.
منذ صباح الإثنين العاشر من أكتوبر تشرين أول الجاري، تبدو قواعد الاشتباك أكثر إثارة للقلق والخوف معا، وبخاصة بعد القصفات الصاروخية المكثفة التي قامت بها القوات الروسية تجاه العديد من المدن الأوكرانية، مستهدفة البنية التحتية، والكثير من الأهداف الاستراتيجية الثمينة.
بات السؤال خلال الساعات الماضية: “كيف سيكون رد كييف، أو بالأحرى كيف يخطط الناتو للرد على روسيا من خلال كييف، وهل في الردود المتوقعة، تصعيدا عسكريا، سيجد حكما ردات فعل أشد هولا، كما توعد الرئيس الروسي بوتين، ما يمكن أن يقود في نهاية المطاف، إلى هرمجدون التي يتحدث عنها بايدن؟
قبل الجواب، دعونا نؤكد على أمر مهم، وهو أن تصريحات بايدن لم تستند على معلومات استخبارية جديدة حول نوايا الرئيس الروسي بوتين، أو تغيرات في الموقف النووي لروسيا، حيث لا تزال الولايات المتحدة لا ترى أي دليل على أن بوتين يتجه نحو استخدام السلاح النووي الروسي.
لكن هذا لا ينفي أن تهديدات بوتين بالسلاح النووي، دفعت مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إلى التحذير من “عواقب كارثية”، أواخر الشهر الماضي إذا تحركت موسكو لاستخدام الأسلحة النووية، حيث زاد بوتين من حدة لهجته منذ ذلك الحين.
وبالعودة للتساؤل المتقدم، يمكن القطع بأن التحركات الروسية على رقعة الشطرنج الأوكرانية، حكما موصولة بتبعات الغارات الصاروخية للإثنين الماضي، وهل سنرى في أرض المعركة أسلحة أمريكية أو بريطانية متقدمة يمكنها أن تصيب الدب الروسي في مقتل، وفي محاولة لتخفيف الضغط على أوكرانيا.
يمكن أن يمضي السيناريو على النحو التالي، فإما أن تكون الرسالة قد وصلت للجميع، بأن اليد الروسية المميتة قد بدأت بالفعل في الطرق على الحديد الأوكراني الساخن، وأنها لن تتراجع، ومن هنا يمكن أن يبزغ بشكل أو بآخر، سيناريو للتفاوض، وهناك الكثيرون الذين قدموا أفكارا واضحة في هذا الإطار، بدءا من هنري كيسنجر، وصولا إلى إيلون ماسك، أو أن تمضي واشنطن في طريق تأجيج نيران المواجهة، وإلى الحد الذي يمكن أن يجد فيه بوتين نفسه تحت اضطرار وليس اختيار للضغط على الزر النووي، بدءًا من التكتيكي، أول الأمر، وصولا إلى الاستراتيجي في خاتمة المطاف، وبخاصة إذا تعرضت المنشآت أو الأراضي الروسية لأي هجوم من الجانب الأوربي أو الأمريكي نوويا.
أحد الأسئلة المخيفة بل المرعبة حقا، والتي عالجتها السينما العالمية في العديد من الأفلام الهوليودية: “هل هناك من هو قادر على إشعال العالم، وبطريق غير مباشر، وعلى العكس من إرادة بايدن وبوتين، واللذين يقدران كارثية الأمر حال حدوثه؟
من أسف شديد، يبدو ذلك ممكنا، وعلى غير المصدق أن يراجع الهجمات السيبرانية التي تعرضت لها عدة مطارات في الداخل الأمريكي مساء الإثنين عينه الذي شهد الهجوم على كييف.
إن حادثة من هذا النوع، تشي بأن هناك من قوى الشر الماورائية، من يمكنه أن يلج واحدة من قواعد الصواريخ النووية الأمريكية أو الروسية، وربما قاعدة أخرى حول العالم، ومع إشعال أول صاروخ يحمل رأسا ذرية، وإطلاقه على أحد الجانبين، سيتوارى السلام العالمي، ويحل الشتاء النووي من خلال الضربات الانتقامية المتبادلة.
“إن حربا نووية لا يمكن الفوز بها ويجب ألّا تُخاض أبدا”. هذا ما قاله الرئيسان بايدن وبوتين في بيان مشترك لهما عقب قمتهما في يونيو حزيران 2021.
لكن الواقع المأزوم اليوم يشير إلى أن الالتزام الأخلاقي من موسكو وبكين لم يعد يكفي، والكارثة أنه ما من أحد قادر على تقديم ضمانات لعدم وقوع القارعة.
هرمجدون ليست نزهة نووية.. هذا ما يتوجب على الجميع إداركه.