خريجو جامعات من غزة يبحثون عن لقمة العيش في إسرائيل
حين حصل حسين على تصريح للعمل داخل إسرائيل، لم يتردّد لحظة بتعليق حلمه الوشيك بالحصول على درجة الماجستير في العلاقات الدولية التي كان سيحصل عليها من إحدى جامعات غزة، آملا في تحقيق حياة كريمة لعائلته.
ويقول الشاب حسين (38 عاما) الذي اكتفى بذكر اسمه الأول، “شعرت أن باب الجنة فتح أمامي. اخترت العمل وتركت الدراسة”.
ويروي لوكالة فرانس برس “أن الحظ لم يحالفني بالحصول على فرصة عمل في قطاع غزة بعد تخرجي من الجامعة وحصولي على شهادة البكالوريوس في العلاقات العامة، ما دفعني للالتحاق بالجامعة مجددا للحصول على درجة الماجستير لأزيد من فرص الحصول على وظيفة حكومية أو في مؤسسة خاصة”.
ويشرح حسين الذي يعيل زوجة وثلاثة أطفال “كنت عاطلا عن العمل لسنوات، وكنت على وشك مناقشة رسالة الماجستير للتخرّج، لكنني كنت بحاجة لمبلغ 3500 دولار أميركي لتسديد ديون متراكمة للجامعة حتى تتسنى لي مناقشة الرسالة”.
وخرج حسين من قطاع غزة، وبدأ منذ شهرين بالعمل مساعدا لتاجر في توزيع مواد تموينية بالجملة في مدينة يافا بالقرب من تل أبيب. ويقول إن “هذه فرصة لتحسين دخلي وتحقيق حلم إكمال الماجستير والدكتوراه لاحقا”.
ويعيش في القطاع 2,3 مليون فلسطيني، وتتجاوز نسبة البطالة فيه 50 بالمئة، ويبلغ معدل الفقر حوالى 60 بالمئة.
ويقول محمود (40 عاما) الذي يحمل شهادة في الخدمة الاجتماعية، إنه حصل على تصريح مؤخرا للعمل داخل إسرائيل، فبدأ العمل في مطعم بمدينة هرتسيليا شمال تل أبيب. وكان عمل لسنوات في منظمات دولية في غزة، قبل أن يصبح عاطلا عن العمل.
ومحمود أب لثلاثة أطفال. ويقول: “أحصل على أجرة يومية في هرتسليا تصل إلى 550 شاقل (نحو 170 دولارا) مع الساعات الإضافية”.
ويعمل معظم العمال القادمون من غزة داخل إسرائيل في قطاعات الزراعة والبناء والسياحة، ويتلقون أجورا تتراوح بين 70 دولارا ونحو 250 دولارا في اليوم، بحسب كفاءاتهم والساعات الإضافية، أي ما يعادل خمسة أضعاف ما يتلقاه العامل في غزة.
قبل سيطرة حركة حماس على السلطة في عام 2007، كان حوالى 120 ألف فلسطيني من غزة يعملون في إسرائيل. لكن بعد تفرّد حماس بالسيطرة على القطاع، “لم تعد هناك فرص عمل”، وفق محمود.
“من أجل لقمة العيش”
في عام 2019، سمحت إسرائيل مرة أخرى لسكان غزة بالعمل فيها شرط أن تتجاوز أعمار الرجال العاملين 26 عاما وأن يكونوا متزوجين ومستوفين للمعايير الأمنية (على الأرجح غير مشتبه بارتباطهم بعمليات أو هجمات ضد إسرائيل).
ويسعى عشرات آلاف الفلسطينيين في القطاع إلى العمل داخل إسرائيل، لكن الأمر مرهون بالموافقة الإسرائيلية.
وإثر تفشي كوفيد-19، أغلقت إسرائيل معبر بيت حانون (ايريز) أمام العمال لنحو عام ونصف لاحتواء الوباء.
خلال الأشهر الأخيرة، أعطت السلطات الإسرائيلية 120 ألف تصريح جديد، معظمها لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد.
كل يوم، وقبل بزوغ الشمس، تكتظ صالة الانتظار في المعبر الحدودي بين القطاع وإسرائيل بمئات العمال الفلسطينيين.
يقف عبد السلام علوان (58 عاما) ذو الشعر الأبيض، في إحدى زوايا الصالة. ويقول لفرانس برس: “نعمل من أجل لقمة العيش. أريد أن أكون قادرا على دفع ثمن تفاحة أو موزة لابني أو حفيدي عندما يطلبان”.
في الجانب الفلسطيني من المعبر، ينتظر كمال حمادة (65 عاما) الحافلة التي ستقله مع أخرين إلى إسرائيل بعد حصوله قبل شهرين على إذن مدته ستة شهور. ويقول إنه اضطر للعمل “في قطاع البناء رغم أنني أعاني من مرضي السكر والقلب”. ويحمل الأب المسؤول عن 15 فردا في العائلة، أدويته معه.
عمل دون تأمين
وتشير منظمة “خط العامل” (كاف لعوفيد) إلاسرائيلية إلى أن التصاريح الممنوحة لسكان غزة تحمل اسم “ظروف اقتصادية” أو “تاجر” ولا تحمل صفة العامل، مبينة أنه في هذه الحالة، لا يكون العامل مؤمنا من الحوادث، إلا إذا اتخذ صاحب العمل بالخطوات اللازمة لذلك، و”هو أمر نادرًا ما يحدث”.
ودعا نقيب العمل، سامي العمصي، إسرائيل إلى استخدام صفة عامل في التصاريح التي تمنحها للعمل. وقال إن عاملا من غزة “توفي قبل عدة أسابيع إثر حادثة دهس تعرض لها خلال عمله في مدينة تل أبيب، ولم تحصل عائلته على أي تعويض”.
رغم ذلك، يقول أدهم (35 عاما) الذي يحمل ثلاث شهادات في الصحة العامة والمعلوماتية، إنه مستعد للعمل في أي مجال “في مطعم أو سوبرماركت أو مصنع”.
ومن بين المتقدمين للعمل داخل إسرائيل، مصوّر صحافي فضّل التعريف عن نفسه بلقب أبو عدي (38 عاما). ويقول: “أعمل بالقطعة منذ 15 عاما، لكنني لا أحصل على دخل جيد إلا أثناء العمل في الحرب”.