الفصل العنصري الرقمي.. ماذا وراء تواطؤ وسائل التواصل الاجتماعي مع إسرائيل؟

ربما يتذكر البعض تلك الأيام التي بدا فيها الإنترنت قوة كبيرة لدفع الديموقراطية وحقوق الإنسان وتمكين الناشطين والصحفيين من تسليط الضوء على مساحات لم تكن متاحة من قبل، لكن هذا الأمل تحطم بفعل وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة “فيسبوك” و”تويتر”.

في العقد الماضي، تم اتهام منصات وسائل التواصل الاجتماعي -خاصة “فيسبوك”- بتغذية الإبادة الجماعية والتطرف وتقويض الإيمان بالديمقراطية والاستجابة العالمية لجائحة “كورونا”.

وتعددت الأدلة التي تشير إلى أن هذه المنصات تشارك في شكل من أشكال “الفصل العنصري الرقمي”، في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الحربية الإسرائيلية تقصف قطاع غزة.

رقابة وحظر الناشطين

يجري حرمان الفلسطينيين حاليًا من فرصة سرد روايتهم في وسائل الإعلام الأمريكية السائدة، في حين يقوم المؤيدون لإسرائيل بحشد الدعم لسردية الحكومة الأمريكية الرسمية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وفي الوقت نفسه، تقوم شركات وسائل التواصل الاجتماعي بقمع الأصوات الفلسطينية على الإنترنت من خلال تعليق وحظر الحسابات التي تصور أدلة على جرائم الحرب الإسرائيلية.

وعندما سألنا الناشطين الفلسطينيين على “تويتر”، بشأن تعرض مشاركاتهم للرقابة أو الحذف، أو إن كانت حساباتهم قد تعرضت للتعليق بسبب النشر عن غزة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي في الأيام الأخيرة، كانت هناك صدمة من سيل الإجابات التي أكّدت تعرضهم لذلك.

وقال أحدهم: “تم تعليق حسابي عدة مرات عند إرفاق هاشتاجات بشأن غزة أو فلسطين، بذريعة إنه خطاب كراهية يضر بالمجتمع”، وقال آخر: “قام تويتر بتقييد بعض ميزات حسابي عندما كتبت عن فلسطين”.

وأضاف مستخدم آخر: “لقد حذف إنستجرام مرارا وتكرارا العديد من مشاركاتي حول فلسطين في الأسبوع الماضي”، فيما قال غيره: “لدي حساب خاص على إنستجرام وقد لاحظت أن قصصي عن فلسطين تحصل على 20% فقط من المشاهدات التي أحصل عليها عادة”.

وقال مستخدم آخر: “قام فيسبوك بحذف مقطع فيديو مُصوّر من داخل غزة نشرته أثناء الهجمة الأولى وتم حظري من التعليق لمدة 24 ساعة، كما جعلني تويتر أحذف الفيديو نفسه”.

وذكر المحامي المقيم في أستراليا “آدم هدى” إنه جرى تعليق حسابه على “تويتر” لمدة 24 ساعة بسبب “توعية الناس بجرائم إسرائيل وقتلها للمدنيين بمن فيهم الأطفال.. لقد راجعتهم لكنني لم أتلقَّ أي إجابة.. أنا مستاء حقًا من ذلك”.

ربما لا يصدق هذا الأمر الأشخاص غير المطلعين على أزمات حقوق الإنسان في العصر الرقمي، وربما يميلون لاعتبارها خطأ من اللوجاريتمات أو أوهامًا لدى المشتكين.

ضغط إسرائيلي

ومع ذلك، فإن حقيقة الأمر هي أن الحكومة الإسرائيلية لا تضغط فقط على شركات وسائل التواصل الاجتماعي وتهددها لإزالة المحتوى المؤيد للفلسطينيين، وإنما يوجد في مجالس إدارة هذه الشركات مؤيدون لإسرائيل.

وفي الأسبوع الماضي، ذكرت صحيفة إسرائيلية أن وزير العدل الإسرائيلي “بيني جانتس” عقد مقابلة مع المدراء التنفيذيين في “فيسبوك” و”تيك توك” لاتخاذ إجراءات ضد الحسابات المؤيدة للفلسطينيين، وحثهم على “إزالة المحتوى المنشور من قبل العناصر المتطرفة التي تسعى إلى إلحاق الضرر ببلادنا”، وأضاف “جانتس”: “نحن في لحظة طوارئ ونتوقع مساعدتكم”.

ولخصت الصحيفة الاجتماع قائلة: “أعرب المديرون التنفيذيون عن التزامهم بالتصرف بسرعة وفعالية لمنع التحريض على العنف عبر شبكاتهم، وأوصلوا تعازيهم للعائلات الإسرائيلية التي فقدت أحباءها”. ولا ذكر هنا للعائلات الفلسطينية التي تمثل 95% من ضحايا الحرب الأخيرة على غزة.

ومن الحقائق التي قد تبدو صادمة أن مجلس الرقابة على “فيسبوك” (المكلف بتحديد المشاركات والجهات التي تشكل انتهاكا لسياسات الشركة)، يضم المدير العام السابق لوزارة العدل الإسرائيلية، “إيمي بالمور” الذي أدار أيضا وحدة الأمن السيبراني في إسرائيل.

معايير مزدوجة

وأصبح من الواضح أن هناك ازدواجية في معايير تتقيم المحتوى وحذفه، والتي تتبناها “فيسبوك” وغيرها من شركات وسائل التواصل الاجتماعي.

على سبيل المثال، نشر الحساب الرسمي لإسرائيل على “تويتر” تغريدة في 17 مايو/أيار عشرات من إيموجي الصواريخ، في إشارة واضحة لقتل الجيش الإسرائيلي لأكثر من 230 فلسطيني في غزة حتى 20 مايو/أيار، بما في ذلك 65 طفلا و 35 امرأة.

ولو جرى نشر هذه التغريدة المليئة بالصواريخ من قبل أي حساب ينتمي إلى “حماس” أو السلطة الفلسطينية أو أي شخص أو ناشط فلسطيني، لكان الرد من “تويتر” سريعا وحاسما.

وقال رئيس مجلس العلاقات الدولية في غزة “باسم نعيم”: “للمرة الأولى نرى دولة تتباهى بصراحة وبصوت عال وفخر بأعمال الإرهاب الحكومي ضد السكان العزّل، لكن الأغرب هو أن دولة إسرائيل يمكنها أن تفعل ذلك دون عقاب”.

وفي الوقت نفسه، لا تزال مقاطع الفيديو التي يهدد فيها المستوطنون الإسرائيليون بـ “الموت للعرب”، موجودة دون إزالة على الإنترنت.

تواؤم مع الحكومة الأمريكية

في نهاية المطاف، فإن شركات وسائل التواصل الاجتماعي هذه غير قادرة ولا راغبة في تقديم بيئة عادلة لمستخدميها، بالنظر إلى أن مقراتها توجد في الغالب في الولايات المتحدة، حيث لا يتعرضون فقط لضغط القوانين واللوائح الأمريكية، وإنما الضغط السياسي المحلي أيضا، وهذا يخلق مستوى من الارتباط بين قرارات شركاتهم والسياسة الخارجية للحكومة الأمريكية.

وبالنسبة للولايات المتحدة، فإنها استخدمت حق الفيتو في مجلس الأمن 3 مرات لمعارضة قرار مقترح يدعو إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حماس”، ورفضت حتى إدانة العنف الإسرائيلي؛ لذلك ليس من المستغرب أن تنسجم شركات وسائل التواصل الاجتماعي الموجودة في الولايات المتحدة مع هذا التوجه أيضا.

وبالتالي فإن المنصات مثل “فيسبوك” و”تويتر” التي تقوم بالرقابة على الأصوات والمنشورات الفلسطينية التي تكشف عن وحشية إسرائيل، شريكة في تواطؤ الولايات المتحدة وتجاهل معاناة الشعب الفلسطيني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى