بايدن ورئيسي يسابقان الزمن للوصول إلى اتفاق نووي
في 16 فبراير/شباط الجاري، أشار وزير الخارجية الفرنسي “جان إيف لودريان” إلى اقتراب الوصول إلى اتفاق نووي في محادثات فيينا، قائلا: “إنها ليست مسألة أسابيع.. إنها فقط أيام”. وقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية “نيد برايس” بعد ساعات: “إننا في خضم المراحل الأخيرة من المحادثات”.
وقالت مصادر إيرانية مطلعة إن هناك وثيقة من 20 صفحة متداولة بين فرق التفاوض في فيينا، بما في ذلك 3 ملاحق بشأن العقوبات والالتزامات النووية وخطوات التنفيذ، التي قيل إنه سيتم الاتفاق عليها خلال 10 أيام.
واقترح وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبداللهيان”، في مقابلة مع “فايننشال تايمز”، أن يصدر الكونجرس “بيانا سياسيا” يوضح فيه التزامه باتفاق يوفر بعض الغطاء السياسي قبل إبرام الصفقة.
وقال 3 دبلوماسيين تحدثوا لـ”رويترز” إن المسودة الأولى للاتفاق تركز على إلغاء تجميد الأموال الإيرانية مقابل إطلاق سراح طهران لسجناء غربيين. وتحدد المسودة خطوات لجميع أطراف الاتفاق بمجرد الموافقة عليها.
إيران تقترب من العودة
ويدور موقف إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حول “الامتثال مقابل الامتثال”، بمعنى أنه إذا عادت إيران إلى التزامها بالقيود التي تفرضها خطة العمل الشاملة المشتركة، فسوف تتنازل الولايات المتحدة عن العقوبات التي أعيد فرضها في مايو/أيار 2018، ما يعني انخراط الشركات الأمريكية في تعاملات مالية مع إيران من جديد.
وإذا رفعت الولايات المتحدة العقوبات، فيعني ذلك أن إيران ستكون منفتحة مرة أخرى على العمل في قطاعات الطاقة والشحن والمعادن والسيارات والتأمين وغيرها من القطاعات.
في المقابل، ستكون إيران مطالَبة بالتراجع عن الإجراءات النووية التي اتخذتها منذ عام 2018. ونتيجة لأنشطتها النووية بما يتجاوز حدود خطة العمل المشتركة الشاملة، أصبحت إيران الآن قادرة على إنتاج وقود نووي كافٍ لصنع قنبلة في أقل من عام، وهو إطار زمني أقصر بكثير مما كان متصورا في عام 2015، والذي قد يكون من المستحيل التراجع عنه.
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن القيود التي تفرضها إيران على الوصول إلى منشآتها تعرقل الرقابة بشكل كبير. وأشارت الوكالة إلى أن إيران كانت تخصب اليورانيوم بنسبة 60%، وهي نسبة أعلى بكثير من الحد الأقصى البالغ 3.67% وفقا للاتفاق الأصلي. وجدير بالذكر أن الأسلحة النووية تتطلب تخصيب بنسبة 90%.
ومن المقرر صدور التقرير التالي للوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن امتثال إيران في 7 من مارس/آذار المقبل، وستكون لحظة رئيسية لقياس مدى تقدم إيران.
الأيام المنتظرة
وبالنظر إلى الخطوات التي حددتها خطة العمل الشاملة المشتركة، كان من المفترض أن تشهد الفترة المقبلة مراحل مهمة.
يوم الانتقال (أكتوبر/تشرين الأول 2023): بعد تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية “بأن جميع المواد النووية في إيران لا تزال في إطار الأنشطة السلمية” وبعد المصادقة على البروتوكول الإضافي، تنهي الأمم المتحدة القيود المفروضة على نقل الصواريخ إلى إيران، و”ستسعى الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراء تشريعي قد ينهي العقوبات المحددة في الملحق الثاني بشأن حصول إيران على السلع والخدمات النووية ذات الصلة بالأنشطة النووية السلمية لتكون متسقة مع نهج الولايات المتحدة تجاه الدول الأخرى غير النووية بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية”.
يوم الإنهاء (أكتوبر/تشرين الأول 2025): بافتراض امتثال إيران لقيود خطة العمل الشاملة المشتركة، تغلق الأمم المتحدة الملف النووي الإيراني تماما.
لماذا يحتاج “رئيسي” إلى اتفاق؟
قد تكون رغبة الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” في الوصول إلى اتفاق أكبر من الرئيس الأمريكي “جو بايدن”. وفي حديثه في حفل أداء اليمين أمام البرلمان الإيراني في 5 أغسطس/آب 2021، قال “رئيسي”: “يجب رفع العقوبات المفروضة على إيران، وسندعم أي خطة دبلوماسية تحقق هذا الهدف”.
وفي حين أن الاقتصاد الإيراني ليس على وشك الانهيار، حتى بدون اتفاق، إلا أنه في النهاية لا يمكن معالجة أعباء الديون والتضخم والتحديات الهيكلية الأخرى إلا عن طريق تخفيف العقوبات.
وانطلق الاقتصاد الإيراني من حيث نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بعد تنفيذ خطة العمل الشاملة المشتركة، من 1.3-% في 2015 إلى نمو بـ13.4% في 2016. وبعد أن دمرت إدارة “ترامب” الاتفاق، انكمش الاقتصاد مرة أخرى، بداية بـ 6% في 2018 ثم 6.7% في 2019، قبل أن تصل النسبة إلى 3.3% في 2020.
ومع اقتراب أسعار النفط من 100 دولار للبرميل، يتوقع “رئيسي” مكاسب كبيرة إذا تم التوصل إلى اتفاق. وبالمثل، قفزت صادرات النفط من 1.3 مليون برميل يوميا في عام 2015، قبل دخول خطة العمل الشاملة المشتركة حيز التنفيذ، إلى أكثر من 2 مليون برميل يوميا في عام 2017. وبعد عام 2018، انخفضت الصادرات إلى أقل من 500 ألف برميل يوميا في عامي 2019 و2020، مع زيادة طفيفة إلى 558 ألفا في عام 2021.
وقد تكون الدوافع السياسية لإتمام الاتفاق غير واضحة لكنها مهمة. وكانت خطة العمل المشتركة الشاملة تحظى بشعبية كبيرة في إيران عندما تم الاتفاق عليها عام 2015. لكن مع انسحاب الولايات المتحدة تفاقم إحباط الإيرانيين، وشهدت الانتخابات التي فاز فيها “رئيسي” أدنى نسبة مشاركة على الإطلاق في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.
ولم يعارض “رئيسي” الاتفاق النووي خلال حملته الرئاسية، قائلا في مناظرة رئاسية: “سنلتزم بالتأكيد بخطة العمل الشاملة المشتركة”، مضيفا أن إيران بحاجة إلى حكومة قوية للوصول إلى اتفاق جديد قابل للتنفيذ.
عراقيل أمام “بايدن”
جعل “بايدن” إعادة الدخول في خطة العمل الشاملة المشتركة أولوية لإدارته حيث يعتقد أنه يمكن احتواء البرنامج النووي الإيراني بشكل أفضل مع وجود خطة العمل الشاملة المشتركة. وقد حصل مبعوث “بايدن” إلى إيران، “روبرت مالي”، على التفويض لتحقيق ذلك، ولكن فقط إذا قامت إيران بدورها.
وبدأ “بايدن” بأوروبا. وكان أول عمل له هو إصلاح العلاقات مع الأطراف الأوروبية في الاتفاق، والتي تضررت بسبب نهج “ترامب” تجاه إيران وقضايا أخرى، مثل اتفاق باريس للمناخ.
روسيا والصين
وتبقى مواقف روسيا والصين أكثر تعقيدا، لا سيما بسبب مخاوف الولايات المتحدة من كلا البلدين. وسوف يستفيد كلا البلدين من رفع العقوبات عن إيران.
وإذا لم يكن هناك اتفاق، فسوف تسعى موسكو وبكين لاستغلال علاقتهما مع إيران لمصالحهما الخاصة وتحدي المصالح الأمريكية في المنطقة.
لكن موسكو وبكين تعارضان امتلاك إيران لسلاح نووي، ومن الممكن أيضا أن يكونا حذرين بشأن فتح جبهة مع واشنطن بشأن إيران أو مواجهة المزيد من العقوبات كما في حالة روسيا.
دور الكونجرس
لا يوجد إجماع شعبي أو سياسي داخل الولايات المتحدة على إبرام اتفاق مع إيران، وسيكون الجدل في الكونجرس بمثابة عقبة أمام “بايدن”. وعلى الأرجح، لن يكون هناك “بيان سياسي” يدعم الاتفاق، كما طلب “أمير عبداللهيان”.
وانتقد رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ “بوب مينينديز”، وهو ديمقراطي، سياسة “بايدن” تجاه إيران في خطاب ألقاه هذا الشهر، كما أوضح الجمهوريون بالفعل أنهم سيعارضون الاتفاق.
ويمكن أن تؤدي انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس في نوفمبر/تشرين الثاني إلى حصول الجمهوريين على الأغلبية في غرفة واحدة من الكونجرس على الأقل.
وأوضح مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق “ستيفن رادميكر” أن إدارة “بايدن” قد تحتاج على الأرجح إلى تقديم الاتفاق إلى الكونجرس وفقا لقانون مراجعة الاتفاقية النووية الإيرانية لعام 2015.
وكتب “رادميكر”: “عندما راجع الكونجرس خطة العمل الشاملة المشتركة في عام 2015، صوتت الأغلبية من كلا المجلسين على رفض الاتفاق. ولحسن الحظ بالنسبة لباراك أوباما، لم تكن أغلبية بالثلثين، ولذلك سمح له القانون بتنفيذ الاتفاق رغم معارضة الكونجرس. لكن تلك الأصوات أضفت عدم الشرعية السياسية على خطة العمل الشاملة المشتركة، وأرست الأساس لقرار دونالد ترامب بعد أعوام قليلة”.
إسرائيل.. اسنغلال الموقف
أفاد الكاتب والمحلل الإسرائيلي “بن كاسبيت” الشهر الماضي أن القادة الإسرائيليين يتوقعون الوصول إلى اتفاق نووي لذلك تسعى إسرائيل للاستعداد لكل الخيارات وتحاول إنشاء تحالف يشبه حلف “الناتو” مع دول الخليج العربية الصديقة.
وللتعرف على كيف تنوي إسرائيل تحقيق أقصى استفادة من الوضع الأسوأ، يكفي أن تلقي نظرة على التعديلات التي اقترحتها إسرائيلي لخطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك توسيع شروط انقضاء أيام “الانتقال” و”الإنهاء” ووضع آلية واضحة لـ”عقوبات العودة”، بمعنى أنه إذا انتهكت إيران الاتفاقية، فإن الولايات المتحدة ستطلق آلية لإعادة فرض العقوبات على إيران. وليس من الواضح ما إذا كان قرار مجلس الأمن رقم 2231 لعام 2015 يسمح بهذه الآلية بعد يوم “الإنهاء”.
ويتوقع “كاسبيت” أن أي اتفاق جديد سيكون مصحوبا برزمة من الشروط الأمريكية المرضية لإسرائيل وحلفائها الآخرين في الشرق الأوسط.