“الغربان” تسكن كباريهات وسط البلد .. وداعا للفرفشة !
الكباريهات هي بيوت الليل، وفضاء الاستعراض الوحيد لتلك الشخصيات المتخفّية داخل وجوه سكّان القاهرة الجادة والعابسة.
عرفت مصر الكباريهات بأشكالها الحديثة مع بدايات القرن الماضي، كصالات لتقديم مزيج من التسلية يجمع بين الرقص والأغاني الخفيفة والعروض المضحكة. وحتى السبعينيات من القرن الماضي، كانت هذه الكباريهات مقصداً لأفراد الطبقة الوسطى وللعائلات، وللتنزه والاستمتاع. كل مكونات الشعب المصري من نخبته السياسية والثقافية إلى أفراده العابرين العابثين كانت تلتقي في الكباريهات.
مذكّرات فاطمة رشدي وذكريات بديعة مصابني تقدم لنا رؤية واضحة عن العلاقة بين عالم الكباريهات والسياسيين تحديداً.
لكن منذ السبعينيات، تغيرت النظرة إلى الكباريهات، إذ صبّ عليها شباب” الاخوان ” غضبهم، وحوّلوها من أماكن للاستمتاع بعروض الرقص والغناء الحية في نظر العامة، إلى أماكن لممارسة الرذيلة. أنقذت الفنادق ما تبقى من الكباريهات وحوّلتها إلى واحدة من قاعاتها، فأصبحت عروض الرقص تقدّم داخلها. واتخذت الراقصات من العمل في الفنادق درجة اجتماعية للفصل بينهن وبين راقصات “المحلات”، أي الكباريهات.
حتى عامين مضت ، كان للكباريهات في شارع الهرم سطوة ملحوظة، ابتداءً من الكباريهات الكبرى التي قد يكلف دخول بعضها نحو 500 دولار، وصولاً إلى الكباريهات الأرخص.
تماما كما حدث مع كباريهات وسط البلد الرخيصة الثمن ، فقد هجرها الناس لسببين . الاول هو انتشار كورونا وخوف الناس من الاماكن المغلقة . والثاني هو هجرة الشخصيات من صفوة المجتمع والاثرياء الى المناطق العمرانية الجديدة في النجمع والشيخ زايد ومدينتى وغيرها وهى مجتمعات اصبح فيها أماكن خاصة للتسلية والترفية .
وفي هذا التقرير نرصد اشهر كباريهات وسط البلد .
عالم الكباريهات الشعبية في قاهرة 2015 يتوزع من منطقة التوفيقية في وسط البلد، إلى محلات متفرقة في العجوزة والمهندسين، وحتى في بعض زوايا شارع الهرم. “نيو أريزونا” كان من أشهر الكباريهات في السبعينات، وأول مكان غنّى على مسرحه أحمد عدوية. اليوم، اختفت الأضواء عنه وبات يعدّ كباريه شعبي. في مقابله تقع كباريه “شهرزاد”، واحدة من أشهر الكباريهات في وسط البلد، وفي المنطقة نفسها، تتوزع بعض الكباريهات الأقرب لعلب ليل، إذ لا تتجاوز مساحتها الغرفة الواحدة، ومنها كبارية “بوسي كات”.
كباريهات القاهرة الشعبية
حقبة التسعينات حولت بعض الكباريهات إلى محالّ للخدمة، تقدّم فيها فتيات “الركلام” (الاسم الذي يطلق على العاملات في الكباريه، اللواتي يقدّمن أحياناً خدمات جنسية بسيطة للزبائن) المشروبات، وأحياناً، حينما تلتهب الموسيقى، يقمن ببعض الهزات البسيطة. اختفت الموسيقى الحيّة والراقصات المحترفات. وإن كان من السهل افتتاح “كافيه” لتقديم المشروبات، فإنّ الحصول على رخصة لتقديم المشروبات الكحولية يتطلب قدراً من المال والعلاقات، في حين بات الحصول على رخصة لتقديم فقرات موسيقية أو راقصة أمراً صعباً، لا سيما خارج الفنادق.
المحالّ القديمة تمتلك تلك الرخص منذ زمن، لكنها لم تعد جاذبة للجمهور. أصحاب رخص كباريهات وسط البلد ورثوها غالباً، كحالة كبارية “كارول” في شارع طلعت حرب. لذلك يطغى على معظم الأماكن الطابع العائلي. إحدى الكباريهات في شارع طلعت حرب تديرها عائلتان ليس بينهما وفاق، لذا كانت النتيجة تقسيم ساعات عمل المحل بين العائلتين، عائلة تتولى العمل من الثامنة صباحاً حتى الثانية عشرة ظهراً، والأخرى تستكمل العمل حتى آخر الليل. كباريه “كينجز” تجمع بين البار والكباريه وتنقسم طابقين: في الطابق الأول بار هادئ، وفي الطابق الثاني، يتحوّل المكان مع هبوط الليل إلى كباريه ومساحة للرقص والموسيقى.
مكان لاستعراض الذات
جمهور كباريهات وسط البلد اليوم خليط بين موظفين بسطاء، معلّمين من أسواق الخضر وتجار قطع غيار السيارات في المنطقة، أو الشباب العاملين في تجارة الملابس الجاهزة في المحال المحيطة. قد يقصد الكباريهات زبائن من خارج تلك الدائرة الجغرافية، لكنهم يبقون من الطبقة نفسها. الكباريه بالنسبة لهم فرصة لساعات قليلة من المتعة واللهو.
أهم ما تقدّمه هذه الكباريهات للزبون هو عنايتها به وإشعارها إياه بطرق مختلفة بأنه أهم شخص في المكان. عرفتُ عامل بوفيه في وزارة العدل يمشى خارج الكباريه، كتفاه محنيتان سرعان ما ترتفعان حالما يدخل الكباريه، حيث يناديه الجميع بسيادة المستشار. تتسع ابتسامته والمغنّي يوجه له التحية، بينما تقف الراقصة بجواره على الطاولة في رقصة خاصة، وحوله فتيات المحل: إحداهنّ تصب له البيرة، وأخرى تقشر له الفول السوداني، وثالثة ترصّ له أحجار الشيشة، في مشهد لا يمكن أن يعيشه خارج جدران الكباريه. يشبع الكباريه كل أحاسيس العظمة واستعراض الذات لدى أولئك الناس الغارقين تحت ضغوط الحياة، والذين لا يجدون مكاناً لضحكاتهم إلا في الكباريه.
أجواء منتصف الليل
تبدأ السهرة غالباً في الكباريهات في الساعة الحادية عشرة. بعض الكباريهات لا يتجاوز حجم الفرقة الموسيقية فيها عازف واحد على “الأورج”. وقد يزيد عدد العازفين ليصل إلى الـ18 وأكثر في الكباريهات الكبرى في شارع الهرم. يظهر المغني وفي ما يشبه التحية، يسألك، إن كنت بين الزبائن، عن الأغنية التي تحب الاستماع إليها. الموسيقي في الكباريهات الشعبية تراوح بين الأغاني الطربية القديمة والأغاني الشعبية، من جورج وسوف إلى فايزة أحمد وعفاف راضي ووردة. ثم تظهر الراقصة. راقصات الكباريهات الشعبية لسن مثل راقصات الفنادق أو راقصات شارع الهرم، فلا لوحات إعلامية لهنّ على مدخل المحل، وهنّ لا يملكن عقوداً ثابتة، بل يكون الاتفاق معهنّ شهرياً أو أسبوعياً. كباريهات القاهرة – منتصف الليل
معظم راقصات كباريهات وسط البلد لا يرقصن في محل واحد. راقصة الكباريه الشعبية في العادة تبدأ الرقص في محل، ثم ترتدى العباءة السوداء وتنتقل في سيارة تنتظرها في الخارج إلى محل آخر. تتنافس المحالّ على تقديم أكثر من راقصة في الليلة، لكن الأمر يظل مرتبطاً بمدى إقبال الزبائن والعرض والطلب. مع ظهور الراقصة تبدأ فقرة الاستعراض. صاحب الكباريه، أو “صديق” الكباريه يبدأ بإخراج الأوراق المالية ورميها على الراقصة كـ”نقوط” وتحية. يفتتح ذلك عادةً أصحاب المحل، لبثّ الحماسة وتنشيط الزبائن على رمي أموالهم على الراقصة. تقدّم الكباريهات واحدة من إحدى الخدمات النادر وجودها في القاهرة وهي فكّ العملة، إذ يمكنك منحهم ورقة بمئة جنيه، فيعطونك مقابلها أوراقاً من فئة خمسة جنيهات، حتى يكون مظهر رمي النقود على الراقصة أثرى. بعض الكباريهات، لا سيّما الكبيرة منها والعاملة في شارع الهرم، تقدم خدمة الأموال المزيفة، إذ تمنحهم ما قيمته 500 جنيه فيعطونك مقابلها رزماً متعددة من الأوراق المالية بنسخ طبق الأصل، للتنقيط بها ورميها على الراقصة. لذلك، لا تنخدعوا بالأموال التي ترونها في الكباريهات، فهي في النهاية جزء من عملية الاستعراض لا أكثر. كباريهات القاهرة – المال
للتنقيط أصول وتقاليد، خصوصاً بين “المعلّمين” في منطقة السبتية والتوفيقية في كباريهات وسط البلد، فعند تنقيط الراقصة يمكن رمي المال عليها أو وضعه في صدرها أو في أي مكانٍ آخر بحسب درجة قرب الزبون منها وعلاقته بها، لكن عند تنقيط صديقٍ موجود في المحل، ليس من اللائق رمي المال عليه، بل يجب رميه تحت قدميه، لأن “الفلوس” التي يقدمها الزبون لصديق تعلي من قيمة هذا الأخير، في حين أنه بما يقدمّه للراقصة، هو يعلي من قيمة نفسه.
لا مكان للجنس
ليست الكباريهات المكان المناسب للباحثين عن الخدمات الجنسية، فالعاملات في الكباريهات لا يمكنهن مغادرة الكبارية إلا في الصباح الباكر عندما يغلق المكان أبوابه. هنّ في العادة لا يعملن في هذا المجال وإن كان الحال كذلك، فأسعار معاشرتهن تكون أغلى من الأسعار المتداولة في السوق. أما لمن أرادوا إرضاء رغباتهم مع إحدى الراقصات، فهي مسألة تحتاج إلى صبر، وبعض الجهد والاستثمار، فكثير من الراقصات مرتبطات، وبعضهن يرقصن وهن يربطن سلسلة حول خصرهن تحمل اسم الزوج أو الصديق.