“أنا الضحيّة القادمة”..ارتفاع قياسي للعنف ضد المرأة التونسية

في أقل من أسبوع، شهدت تونس ثلاث حالات عنف بحق نساء، كان آخرها داخل محكمة ولاية منوبة (شمالي البلاد)، بعدما قرر أحدهم الاعتداء على زوجته بواسطة شفرة الحلاقة، على خلفية قضية نفقة تقدمت بها ضده.

وانتشر في الأيام الأخيرة وسم (هاشتاغ) “كلنا رفقة” و أيضا “أنا الضحيّة القادمة”، في حملة تضامن واسعة أعرب المشاركون والمشاركات فيها عن الغضب والامتعاض من تزايد حالات العنف ضد النساء في البلاد.

وأوضح الناطق باسم محكمة منوبة، سامي الصمادحي، أن الزوجين حضرا جلسة بناء على قضية نفقة، إلا أن سرعان ما غافل الزوج الحاضرين متعمدا تشويه وجه زوجته بواسطة شفرة حلاقة، مما أدى إلى سقوطها على الأرض.

وأشار الصمادحي إلى أنّه “تم توقيف الزوج المعتدي على الفور، داخل قاعة المحكمة”.

وقبل هذه الحادثة بأيام، توفيت الشابة رفقة الشارني (31 عاماً)، وهي أم لطفل، برصاص زوجها الشرطي، علماً أنها تقدمت بشكوى جزائية بحقه قبل أيام من مفارقتها الحياة، إلا أنه استطاع التملص من المسؤولية.

وكذلك توفيت الشابة أروى الطرودي بحادثة اصطدام، حيث تركت تنزف إلى أن فارقت الحياة.

وتثير كل هذه الحالات، وغيرها مما لم تصل قصتها لوسائل الإعلام، الضوء على القانون في دولة تتباهى فيها النساء بحقوقها الدستورية والقانونية مقارنة بباقي الدول العربية.

الضعف المالي و اللوجستي
ويعتبر المحامي والناشط الحقوقي، محمد إبراهيمي، أنّ “قانون العنف ضد النساء، الذي أقره البرلمان التونسي في 26 يوليو 2017، كان خطوة مفصلية، ولكنه لم يقترن بآليات تساهم في تنفيذه بشكل سليم”.

وأوضح إبراهيمي أنّ القانون بوضعه الحالي “ليس رادعا”، موضحاً أنّه “في عام 2018، أي بعد عام كامل من إقرار القانون لوحظت زيادة كبيرة في نسبة العنف الأسري، إذ تقدمت أمام القضاء حوالى 40 ألف شكوى من النساء المعنفات”.

لكن إبراهيمي يلاحظ “ارتفاعا في هذه النسبة في الأشهر الماضية، وقد يكون السبب تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد وارتفاع الأسعار في البلاد”.

ويعرّف القانون التونسي العنف ضد المرأة بأنه “كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس، والذي يتسبب بإيذاء أو ألم جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة”.

ويقول إبراهيمي إنّ “القانون ينقصه التمويل والدعم اللوجستي، حيث يوجد 80 مركزا مفعلا لتلقي شكاوى النساء المعنفات، وهو رقم قليل مقارنة بحجم تونس”.

وتتفق المحامية والناشطة حقوقية، آمنة الزهروني، فيما قاله إبراهيمي، فرغم أنّ “القانون المتبع تقدمي وثوري، لا تمتلك الدولة إمكانيات مالية وبشرية لتطبيقه، وخير دليل على ذلك إقفال مراكز تلقي الشكاوى الخاصة بجرائم العنف الأسري في أيام العطل ونهاية الأسبوع”.

وفي نفس الإطار، قالت الإخصائية في علم الاجتماع، فتحية السعيدي، إنّ “القانون في تونس متطور جداً، وبإمكانه أن يصبح رادعاً مع الوقت إذا اقترن بالآليات العملية أبرزها زيادة عدد فروع الشرطة المختصة بهذا النوع من الجرائم”.

وأوضحت أن “قانون العنف ضد المرأة يشمل كل من الحماية، الوقاية، التجريم، دعم ضحايا العنف، وهي متطلبات كافية للتخفيف من هذا النوع من الجرائم، المرفوضة اجتماعيا”، مشيرة إلى “عدد النساء اللواتي يتقدمن بدعاوى جزائية موضوعها العنف أو الاعتداء الجنسي ليست بالقليلة”.

وعن شعار “نحن نصدق الناجيات” الذي يتم تداوله في تونس حاليا، تحدثت الزهروني قائلة إنّه “لابد من تصديق النساء اللواتي يتقدمن بدعاوى عنف أسري”.

وأشارت إلى أن “الأمر يعود للقاضي الناظر في الملف، فبعضهم يتعاطف مع الملف بشكل إنساني، وآخرين يتعاملون مع الجريمة كأنها قضية مالية جامدة، محملين المرأة عبأ إثبات كبير”.

“حالة يأس جماعية”
فيما يرى إبراهيمي سببا إضافيا “لابد من الاعتراف به عند الحديث عن ازدياد نسبة العنف ضد المرأة، وهو النقمة التي تعتري الرجال التونسيين من كمية التشريعات التي تحمي المرأة وتميزها عنهم”.

أدى تفشي وباء فيروس كورونا المستجد في عام 2020، إلى زيادة المخاطر، الجسمية أصلا، التي تواجهها النساء على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بسبب العزل المطول في المنزل أثناء عمليات الإغلاق الشامل، وحظر التجول، بحسب ما أفادت منظمة العفو الدولية.

أما السعيدي فقد أرجعت زيادة حالات العنف في تونس مؤخرا “إلى الظروف المعيشية السيئة في البلاد، ونظرة المجتمع للمرأة، واعتبارها أدنى من الرجل وضمن ملكيته الخاصة، إذ يجوز له أن يفعل ما يريد بها”.

وتابعت قائلة: “العنف موجود في كافة فئات المجتمع ولدى كافة المحافظات، وسببه البطالة وآثار الحجر المنزلي على سلوك الإنسان”.

وأشارت السعيدي إلى أنّه “هناك حالة من اليأس الجماعي، بسبب الخلافات السياسية والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي فاقمتها جائحة فيروس كورونا”.

ومنذ تفشي فيروس كورونا في مارس 2020، سجل مركز ” الأورومتوسطية” الحقوقي الإبلاغ عن أكثر من 7000 حالة عنف أسري وذلك من خلال الرقم المجاني الذي أنشأته وزارة المرأة والأسرة.

وتواجه الدولة شبح الانهيار الاقتصادي، وتعاني أيضا أزمة سياسية حادة منذ نحو شهرين بعد أن رفض الرئيس قيس سعيد قبول أداء اليمين لوزراء شملهم تعديل وافق عليه البرلمان.

طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، الاثنين، الحكومات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بحظر “التأديب العنيف للأطفال”، بمناسبة إطلاقها مؤشرا يصنف دول المنطقة “بناء على قوانينها وسياساتها ذات الصلة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى