كفاح محمود يكتب: الفرھود والفرھدة!

الفرھود مصطلح ظھر في منتصف اربعینیات القرن الماضي في
العراق، ولا علاقة لھ بالمعاني المعجمیة في اللغة العربیة، بل ھو مصطلح
تم تكییفھ من مفردتین ھما؛ فرَّ و الیھود؛ لیصبح بالتداول فرھود إشارة
لعملیات السلب والنھب التي تعرضت لھا بیوت ودكاكین المواطنین الیھود
الذین انتابھم الرعب فھربوا من بیت الى بیت بھلع تاركین بیوتھم واماكن
عملھم في الثاني والثالث من حزیران 1939 وما تلاھا من سنوات حیث
وقعت مجازر شنیعة بحقھم، فقد قتل في الیوم الاول 179 یھودیآ من العمال
والکسبة والتجار وأصحاب المحلات التي احرقت بعد نھبھا وسلب ما فیھا
من بضائع واموال، وھكذا غدت كلمة الفرھود تعني عملیات النھب والسلب
الجماعیة المشرعنة والمبررة على خلفیة دینیة او سیاسیة او اجتماعیة.
ولسنا ھنا بصدد تلك العملیات البشعة التي طالت مواطنین عراقیین ذنبھم
الوحید ھو دیانتھم بقدر ما ھو تسلیط الضوء على ثقافة الفرھدة التي رافقت
حیاة ھذه الشعوب بدءا بالغزوات التي كانت قاعدة لانطلاق ھذه الثقافة
والسلوك البدائي الذي ما یزال یُمارس حتى یومنا ھذا وبأشكال مختلفة،
ربما اكثر شیطنة وتطورا من تلك التي حصلت مع الیھود، ففي معارك
الأنفال سیئة الصیت نھایة ثمانینیات القرن الماضي، والتي راح ضحیتھا ما
یقرب من ربع ملیون انسان كردي تم تھجیرھم بالقوة من كوردستان
العراق الى صحراواتھ الجنوبیة، لیدفنوا ھناك وھم احیاء، حیث تمت
فرھدة اموالھم ومقتنیاتھم في القرى والبلدات التي ھُجِروا منھا، ولم تمض
الا سنوات قلیلة حتى عادت ذات الفرھدة الى الكویت ابان الغزو العراقي
لھا، وبعدھا باشھر بدأت عملیات النھب والسلب في مدن كوردستان إبان
الھجرة الملیونیة التي وقعت عام 1991م بعد ھزیمة العراق وانسحابھ من
الكویت، وھجومھ على كوردستان وتھدیده للأھالي باستخدام الأسلحة
الكیماویة، مما أشاع الھلع والرعب بین المواطنین الذین التجأوا الى الجبال
ومنھا الى تركیا وایران، وقد تجاوزت اعدادھم الملیوني نسمة من الاطفال
والنساء والشیوخ الذین تركوا كل شيء لینجوا بانفسھم، مما اتاح للرعاع
القادمین من كل حدب وصوب وبتسھیل من الدولة في نھب وسلب كل
محتویات تلك البیوت والمحلات والأسواق.

لم تمض إلا سنوات اخرى حتى بدأت عملیات الفرھدة بعنوان الحواسم
في اواسط 2003 والتي طالت كل دوائر الدولة ومخازنھا ومقراتھا في
معظم المحافظات والبلدات العراقیة، وھذه المرة كانت باوامر وتعلیمات
القیادة التي اسقطھا الامریكان لكنھم لم یسقطو ثقافة الفرھود، حیث عادت
ھذه المرة مشرعنة بأنظمة وقوانین، وتحت شعار حصانة البرلماني
والوزیر وملحقاتھم منذ 2003 وحتى یومنا ھذا حیث عشرات الملیارات
تذھب إلى جیوب ھذه الشرائح من الموظفین ذوي الدرجات الخاصة في
سابقة لم تحصل في معظم انظمة العالم التي تشابھ الوضع العراقي، ناھیك
عن الفرھدة في المال العام تحت غطاء المشاریع الوھمیة والمكاتب
الاقتصادیة للاحزاب الحاكمة وللمیلیشیات التي تسیطر على معظم معابر
الحدود العراقیة وموانئھ.

في معظم عملیات السلب والنھب كان الرعاع ھم الذین یقومون بالعملیة
حینما تفقد الدولة قوتھا او تنھار، أو أن توجھ وتُسھِل الدولة تلك المجامیع
لتنفیذ العملیة كما حصل في الانفال والھجوم على الاقلیم لقمع انتفاضتھ في
1991م حیث سھلت الدولة عملیات الفرھدة للرعاع، وما یجري الیوم ومنذ
2003 ھو شكل آخر للفرھدة حیث انقلبت المعادلة وتمت عملیة تبادل
للمواقع!

فمن یا ترى یُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى