بن زايد وأردوغان.. قمة تصفير المشاكل بين الإمارات وتركيا
ترقب واهتمام إقليمي ودولي بالزيارة المرتقبة للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، الأسبوع المقبل.
وتتجهز أبوظبي لزيارة “أردوغان” التي تأتي ردا على الزياة التي قام بها الرجل القوي في الإمارات، ولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد” إلى أنقرة، نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
وستكون هذه الزيارة هي الأولى لـ”أردوغان” إلى أبوظبي منذ ما يقرب من 10 سنوات، عندما التقى “بن زايد” العام 2011.
مرحلة جديدة
ويرى “أردوغان”- وفق تصريح سابق- أن يوم 14 فبراير/شباط الجاري، سيؤسس لبداية حقبة جديدة من العلاقات بين تركيا ودول الخليج، في إشارة جديرة بالاهتمام إلى حجم الاهتمام الذي توليه أنقرة للزيارة والمكاسب التي ستترتب عليها.
وخلال الأيام الماضية، واصلا سفيرا أنقرة وأبوظبي، لقاءاتهما وتحضيراتهما للزيارة، حيث التقى وزير الخارجية التركي، “مولود جاويش أوغلو”، السفير الإماراتي بأنقرة، “سعيد ثاني حارب الظاهري”، بينما التقى السفير التركي في أبوظبي “توجاي تونشير”، بوزير الدولة لشؤون الدفاع الإماراتي، “محمد البواردي”.
وخلال الاجتماع الذي جرى الأسبوع الجاري بمقر وزارة الدفاع الإماراتية، أكد “البواردي” على “عمق علاقات الصداقة بين الإمارات وتركيا في مختلف المجالات، خاصة الدفاعية والعسكرية، وأهمية الدفع بها نحو آفاق أوسع بما يحقق التنمية والازدهار للبلدين”، بحسب وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية “وام”.
ومن المتوقع أن ترسم الزيارة باقي الخطوط العريضة للعلاقات بين البلدين، بعد تذويب الخلافات بينهما، نهاية العام الماضي، وقيام “بن زايد” بزيارة أنقرة، وتوقيع عدد من الاتفاقات وصفقات شراكات بين بورصات الدولتين وصناديق الثروة السيادية ومجالات الصحة والطاقة، وكذلك ضخه لاستثمارات تقدر بـ10 مليارات دولار في الاقتصاد التركي، كبادرة حسن نية لإعادة التواصل بين الدولتين.
تصفير المشاكل
يمكن اعتبار قمة “بن زايد-أردوغان” الثانية خلال أقل من 3 شهور، قمة تصفير المشاكل بين البلدين، بعد سنوات من القطيعة والخلاف المحتدم حول ليبيا وجماعة الإخوان في مصر، وحصار قطر.
وتلقي الدبلوماسية التركية، باللائمة على أبوظبي في رعاية الفوضى في الشرق الأوسط وإجهاض الربيع العربي في مصر وليبيا وتونس، وكذلك تتهم أنقرة الإمارات بدعم محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا 2016.
ولا شك أن تحولات عدة تقف وراء هذا التحول الدراماتيكي في العلاقات بين البلدين، أبرزها تداعيات جائحة “كورونا”، وتمدد النفوذ التركي في المنطقة، مقابل تراجع الدور الأمريكي، والانسحاب الغربي الفوضوي من أفغانستان، والتقارب السعودي القطري مع إعلان المصالحة الخليجية في قمة العلا مطلع العام 2021.
وهناك دوافع أخرى لا تخطئها عين، منها استهداف منشآت سعودية وإماراتية بهجمات حوثية، ما أبرق رسالة لأبوظبي مفادها أن زيادة التوتر في المنطقة من شأنه أن يورط البلاد في صراعات طويلة الأمد.
ووفق وزير الدولة الإماراتي السابق للشؤون الخارجية، “أنور قرقاش”، فإن أبوظبي تقوم بمراجعة شاملة ضمن عملية “إعادة الفحص”، نتج عنها تبني الدولة لنهج جديد قائم على “صفر من المشاكل”.
وانطلاقا من أن الأمن القومي الإماراتي لا يمكن أن يعتمد فقط على الدعم الأمريكي، كان من الواقعية لأبوظبي تكوين علاقات جديدة، والتقارب مع خصم قوي مثل تركيا، وأيضا مع جار عدواني مثل إيران، بحسب منصة “أسباب”.
وتزامنت تلك التحولات في السياسة الإماراتية، مع توجه أنقرة كذلك لـ”تصفير المشاكل” واتخاذ خطوات لإنعاش العلاقات الدبلوماسية، مع مصر والسعودية واليونان وأرمينيا وإسرائيل بعد سلسلة من التوترات، بهدف الوصول إلى عام هادئ وتحقيق تقدم في العلاقات الخارجية ينعكس بالايجاب على الاقتصاد التركي.
مصالح تركية
يمكن التأكيد على أن لغة المصالح تفرض نفسها على طاولة الإماراتيين والأتراك، وأن أجندة كل طرف تحمل مطالب عدة، مقابل مكاسب متوقعة، وأرباح منتظرة سياسيا واقتصاديا وعسكريا.
من جانب، تركيا باتت في حاجة ماسة إلى تدفق نقدي لاقتصادها، الذي تضرر جراء انخفاض قيمة العملة بنسبة 40%، وارتفاع معدل التضخم والبطالة، والتأثر بتداعيات “كورونا”، ما يضع “أردوغان” أمام تحديات جسيمة قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، المقررة في يونيو/حزيران 2023.
ويدرك حزب العدالة والتنمية الحاكم، أن رفع الضغوط الاقتصادية عن المواطن التركي، وانعاش الاستثمارات الأجنبية، هو مفتاح الفوز بالانتخابات القادمة، وأن وقف تدفق المال الإماراتي إلى المعارضة التركية، سيعزز من فرص بقاء “أردوغان” في الحكم.
ويرى الباحث التركي “فراس رضوان أوغلو”، أن “العجلة الاقتصادية هي ما تحرك العجلة السياسية”، مؤكدا أن عودة العلاقات كاملة قد تقف ورائها أسباب اقتصادية، لاسيما أن حجم تبادل الإمارات التجاري مع تركيا يبلغ 15 مليار دولار، وهي الثانية بعد العراق.
ووفق مدير معهد إسطنبول للفكر، “باكير أتاجان”، فإن أبوظبي وأنقرة سيتجهان إلى اتفاق بما يخدم مصالحهما في المستقبل والوقت الحاضر، مضيفا أنه “بعد جائحة كورونا أصبحت الدول تدرك أن العلاقات غير الجيدة ستسفر عن تكاليف باهظة، لذلك لا بد من تنسيق”.
أجندة إماراتية
في المقابل، تبدو كذلك المصالح الإماراتية بادية للعيان، وفق سياسة “تصفير المشاكل” ونسج روابط تجارية واستثمارية واسعة مع تركيا، تؤهل مستقبلا لتفاهمات سياسية بين البلدين حول ملفات عدة، وربما مستقبلا نحو شراكات اقتصادية في مجالات حيوية.
في هذا الصدد، يقول وزير التجارة الإماراتي، “ثاني الزيودي”، إن بلاده ستتبع برنامجا زمنيا نشطا للتفاوض على اتفاقيات اقتصادية شاملة مع 8 دول تريد تعميق الروابط التجارية معها، تضم تركيا، المملكة المتحدة، كوريا الجنوبية، الهند، إثيوبيا، كينيا، إندونيسيا، وإسرائيل.
ويخطط البلدان لإطلاق طريق شحن بري جديد لنقل البضائع “الشارقة- مرسين”، عبر معبر بازركان في شمال غرب إيران، والذي يمكن من خلاله اختصار المدة الزمنية اللازمة للشحن عبر قناة السويس لمواجهة أزمة زيادة تكاليف النقل البحري بشكل كبير، من 20 يوما إلى 8 أيام.
ويذهب الباحث المختص بالشأن التركي، “محمود علوش”، إلى هدف آخر، بالقول إن الإماراتيين مهتمون بصناعات الدفاع التركية، ويرغبون في اقتنائها لتنويع إمكاناتهم العسكرية، بعد النجاحات التي حققتها في ميادين القتال في سوريا وليبيا وخلال الحرب بين أذربيجان وأرمينيا.
بينما يتحدث صراحة المستشار السابق لولي عهد أبوظبي، “عبدالخالق عبدالله”، مؤكدا أن “الإمارات تريد التقارب من تركيا ومساعدتها في أزمتها المالية، لقاء اتخاذها مواقف جديدة تجاه تواجدها العسكري في سوريا وليبيا”.
المصالح متبادلة، والتنازلات واردة، والمكاسب متوقعة، لكل طرف، في ظل رغبة جادة بتجاوز الماضي، وتعزيز التعاون الثنائي في مختلف المجالات، لا سيما في المجال الاقتصادي، مع حاجة البلدين الماسة لتخفيف التوتر، وتصفية الخسائر، وتصفير المشاكل خلال العام الجاري.