إلى أين تتجه العلاقات بين مصر وروسيا؟

في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أطلقت روسيا ومصر تدريبًا بحريًا مشتركًا في مياه الإسكندرية. وقامت البحرية الروسية بنشر فرقة “الأدميرال جريجوروفيتش” (الدعامة الأساسية لسرب البحر المتوسط الخاص بها) وجزء من أسطول البحر الأسود إلى جانب سفينة دورية وقارب إنقاذ، فيما ساهمت مصر بفرقاطة إلى جانب سفينتي كورفيت حربيتين وسفينة دعم.

وقبل أشهر وتحديدا في أغسطس/آب الماضي، وقع وزراء دفاع البلدين بروتوكول تعاون يسلط الضوء على تقارب علاقات موسكو ومصر بشكل أوثق من أي وقت مضى.

عودة روسيا إلى المنطقة

بالنسبة لروسيا، تظل مصر لاعبا رئيسيا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومنذ منتصف الألفينات، قامت موسكو بعودة تدريجية إلى المنطقة بعد فترة انقطاع طويلة دامت لعقود. وأدى تدخل روسيا في سوريا في خريف عام 2015 (والذي أدى لتثبيت نظام الأسد) إلى تعميق نفوذها كصانعة قرار في السياسة المحلية.

وبفضل الحرب، لم يوسع الروس بصماتهم السياسية والدبلوماسية فحسب، بل عززوا علاقاتهم مع القوى الإقليمية الرئيسية، بما في ذلك إيران وتركيا ودول الخليج وإسرائيل.

وأظهرت روسيا مرونة في التعامل مع معركة النفوذ في المنطقة. وعلى سبيل المثال، لدى موسكو اتصالات مع كل من إيران وخصومها الخليجيين، كما تحاور كلًا من السلطات الإسرائيلية والفلسطينية، وتركيا والمسلحين الأكراد في سوريا، بالإضافة إلى الجزائر ومنافستها المغرب.

وتتربع مصر على قائمة الأولويات الإقليمية لروسيا. وكان بناء شراكة مع القاهرة مسعى سهلًا نسبيا. فعلى النقيض من إيران أو تركيا، تقع مصر بعيدا عن النطاق السوفييتي، وبالتالي ليس لديها تصادم مصالح مع موسكو. وعلى عكس السعودية، لم تتورط مصر في نشر السلفية في المناطق التي يسكنها المسلمون في الاتحاد الروسي.

تعزيز التقارب

أظهرت الدبلوماسية الروسية مرونة لافتة حيث بنت الجسور مع جميع القوى المذكورة أعلاه وحاولت الابتعاد عن الخلافات والتركيز على المصالح المشتركة. ويأتي الانخراط مع النظام المصري في هذا الإطار. فبالإضافة إلى الفوائد الاستراتيجية والتجارية التي قدمتها مصر لموسكو، تعمل القاهرة أيضا كجسر بين روسيا والسعودية التي تؤيد “السيسي” وتدعم في الوقت ذاته بعض فصائل المعارضة في سوريا.

وبالمثل، تنظر مصر إلى روسيا كشريك مرغوب، فيما يُعزى جزئيا إلى التقارب الأيديولوجي، حيث كان الكرملين منتقدًا حادًا للربيع العربي وحذر من التهديد الذي يمثله على الاستقرار المحلي والإقليمي. علاوة على ذلك، حذرت موسكو من صعود التيار الإسلامي وهو التحدي الذي واجهته روسيا في شمال القوقاز وكذلك في الفناء الخلفي لها في آسيا الوسطى. وقد تقاطع ذلك بشكل كبير مع سردية نظام “السيسي”.

وفي سبتمبر/أيلول 2014، عقدت مصر وروسيا صفقة بقيمة 3.5 مليار دولار لشراء طائرات مقاتلة “MIG-29M2″، وطائرات هليكوبتر “KA-52” وأنظمة صاروخية مضادة للصواريخ الباليستية “Antey-2500”.

وفي ذلك الوقت، جمدت إدارة “أوباما” بعض المساعدات العسكرية إلى القاهرة بينما فرض الاتحاد الأوروبي حظرا على الأسلحة، لذلك فإن روسيا لم تساعد “السيسي” فقط في مقاومة الضغوط الخارجية، بل اصطفت معه أيضًا في جهوده لإعادة مصر إلى خارطة القوى في الشرق الأوسط.

ووجد مجمع الصناعات العسكرية الروسي في مصر سوقا مربحة. ففي عام 2018 على سبيل المثال، بدأت مصر في شراء 31 طائرة مقاتلة ” Su-35″ في صفقة بلغت قيمتها 2 مليار دولار. وبذلك أصبحت روسيا إلى جانب فرنسا، شريكا رئيسيا للقاهرة في تنويع علاقاتها بعيدا عن الولايات المتحدة لدرجة أن “السيسي” استطاع تحييد التهديد الأمريكي باستخدام قانون “كاتسا” ضد مصر. (يعرف قانون كاتسا بقانون محاربة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات).

مصالح متوافقة

ووجدت روسيا ومصر نفسيهما على نفس الجانب من الصراع في ليبيا، حيث ألقى كلاهما بثقلهما خلف قوات الجنرال “خليفة حفتر” وبرلمان طبرق.

ومع سعي روسيا لترسيخ نفوذها، ستبقى ليبيا نقطة محورية في التعاون الدبلوماسي بين القاهرة وموسكو.

وأخيرا وليس آخرا، تربط روسيا ومصر علاقات اقتصادية قوية. وبحلول العقد الأول من الألفينات، جذبت منتجعات البحر الأحمر في الغردقة وشرم الشيخ حوالي 3 ملايين سائح سنويا من الاتحاد الروسي، أي حوالي ثلث السياح الأجانب الذين يزورون مصر.

وتراجعت تلك الأرقام بعد أن تم إسقاط طائرة روسية بفعل هجوم إرهابي في عام 2015، ومؤخرا بسبب جائحة “كورونا”، ومع ذلك فإن أعداد السياح تتعافى بشكل تدريجي. وبرزت مصر أيضًا كوجهة رئيسية لصادرات القمح الروسية. (تعد روسيا مصدرا لثلث واردات مصر من القمح)

وأخيرا، تشارك شركة “روساتوم” الروسية المملوكة للدولة في مشروع بناء أول محطة للطاقة النووية في مصر في الضبعة، بموجب عقد موقع في ديسمبر/كانون الأول 2017 بحضور “بوتين” و”السيسي”.

تكرار للعلاقة بالسوفييت؟

وربما تبدو المرحلة الحالية تكرارا للعلاقة التي تمتعت بها مصر والاتحاد السوفيتي في ذروة الحرب الباردة، حيث كانت مصر بين منتصف الخمسينيات وأوائل السبعينيات، حليفًا رئيسيًا لموسكو في الشرق الأوسط، وقدم السوفييت آنذاك الأسلحة والمساعدة الاقتصادية والخبرات الفنية للقاهرة.

وحتى عام 1972 الذي طرد فيه الرئيس “أنور السادات” المستشارين السوفييت، كانت مصر حجر زاوية في التواجد العسكري السوفيتي في شرق البحر المتوسط والذي كان ضروريا في الحرب الباردة مع الولايات المتحدة.

ومع ذلك، يمكن أن يكون التشبيه بالحرب الباردة غير دقيق، حيث تعد دول الخليج الداعم المالي الرئيسي لمصر فيما تظل الولايات المتحدة على قمة أجندة مصر الدبلوماسية بالرغم من رغبة واشنطن في الانسحاب من الشرق الأوسط.

أما روسيا من جانبها، فهي ليست نسخة طبق الأصل من الاتحاد السوفيتي، حيث ما تزال بصمتها في المنطقة خفيفة نسبيا (عدا سوريا)، وليس لديها رغبة في استبدال الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لأن ذلك يستلزم قدرا كبيرا من المسؤوليات والتكاليف.

وبالنسبة لروسيا، تعد مصر واحدة من مجموعة واسعة من الشركاء الذين تتعامل معهم موسكو في إطار مساعيها لتحقيق المكاسب الدبلوماسية والاقتصادية. وتعتمد العلاقة بين البلدين حاليا على الكيمياء الشخصية المتبادلة بين الرئيسين القويين وليس على الجانب المؤسسي.

ومن المتوقع أن يظل التعاون بين موسكو والقاهرة قويا في جميع المجالات، ولكن لن يكون هناك التزام طويل الأجل من قبل أي من الطرفين. وستبقى روسيا ومصر أصدقاء، لكن هذا لن يؤدي إلى تحالف رسمي. وعلى العكس من ذلك، سيواصل “السيسي” الموازنة بين روسيا والقوى الغربية.

وفي الشرق الأوسط الجديد (الذي يشكله الانسحاب الأمريكي) يعد هذا خيارا طبيعيا. ومثل اللاعبين الآخرين في المنطقة، ستوازن مصر بين مراكز القوة المختلفة من أجل تحصيل المزايا السياسية والدبلوماسية وضمان استقرار النظام الداخلي.

المصدر | ديميتار بيكيف/ معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى