عادل سيف.. يكتب: جمال السجيني .. ذكريات وشجون
أثارت صور للوحات قبور المثال الكبير الراحل جمال السجيني وزوجته وابنه التي التقطها فريق مبادرة “سيرة القاهرة”، العديد من الذكريات والشجون لدي خصوصا وأنها حملت أيضا لوحة قبر ابنه الفنان التشكيلي مجد السجيني الذي كان صديقا لي في فترة مراهقتي وشبابي وتقطعت بنا السبل وسافرت للخارج لذا لم أكن اعلم بوفاته عام 2015 الا من هذه اللوحة.
اود الإشارة الى ان لوحة قبر المثال الكبير تحمل اعلاها دائرة هي عبارة عن رمزا او توقعا له على جميع اعماله، اما الحروف المتفرقة لاسمه ولعبارة “عاش نصير للحرية والسلام” فهي على ما تذكر انها من أفكاره أما العبارة فكانت ردا على سؤال كان يطرح على مشاهير وهو “ماذا ستكتب على قبرك عند وفاتك؟”.
أما عن ذكرياتي وان كانت خاصة بعلاقتي بابنه الوحيد مجد الا أنى أرى ان من حق الجميع ان اتحدث عن ذكريات خاصة بوالده من خلال هذه العلاقة لربما أطرح جوانب لم تذكر عما كتب عنه، ومن خلال بيته الذي دخلته وكان في نهاية الزمالك من الجهة البحرية المطلة على كوبري، حيث يقع البيت في شارع قصير يسمى حاليا شارع كمال الطويل (كان يسمى المنتزه وقتها) وعلى الضفة الشرقية لجزيرة الزمالك وتحديدا مقابل فندق فيرمونت على الضفة الشرقة للنيل في بولاق.
احتل الفنان جمال السجيني الدور الأرض كان اختيار الدور الأرضي بهدف الاستفادة من الحديقة الواسعة الملحقة به والتي سهلت عليه نحت ووضع نماذج تماثيله من الجبس فيها حتى ازدحمت بها، وعندما لم تجد دعواته باستفادة الدولة من تماثيل النحاتين المصريين بتزيين الميادين بدلا من حبسها في المتاحف القى في لحظة اكتئاب او احتجاج بكثير من تماثيله في النيل المقابل للبيت وكان دائما يؤكد على ابنه مجد ان يضغط على التماثيل حتى تختفي تماما في النيل لتذوب وتتمحي.
لم تكن هذه دعوته الوحيدة التي لم يستجاب لها فلقد كان له حلم كبير يتلخص في نحت جانب من جبل المقطم بتماثيل ضخمة لأوجه زعماء مصر على غرار نصب جبل رشمور التذكاري الوطني في جنوب ولاية داكوتا الامريكية ويحمل رؤوس ست زعماء مؤسسين للولايات المتحدة.
ومن المواقف الطريفة التي ذكرها لي ابنه انه عندما صمم العملة الفضية التذكارية للرئيس جمال عبد الناصر عند وفاته وسلم تصميمها لمصلحة سك العملة، جاء له المشرفين على التنفيذ في المصلحة في وقت متأخر ليلا يطلبون منه ان يكون التصميم ارق حوالي مليميتر على ما أتذكر وابلغوه ان الوقت ضيق وضروري ان تتم العملية في وقتها، وكانت العملية اقرب الى تصميم العملة من جديد وهي ان يهبط بارتفاع العملة الى ارتفاع اقل بكافة مشتملاتها من وجه الرئيس البارز فيها ومحيطه والكتابات عليه مع الحفاظ عليها وعلى دقتها وكانت ليلة لا تنسى.
كان يحتفظ دائما بنموذج لتمثال بالحجم الطبيعي لعبد الناصر الذي كان يحبه وهو رافع يده في الحديقة وكان يظهر هذا التمثال واضحا من خلال ممرات العمارات المجاورة للبيت وكان هذا التمثال نموذج للعديد من تماثيل نصبت في عدة بلدان واذكر منها لبنان والتي كانت اول من نصب تمثال نصب فيها من قبل القوميين والناصريين اللبنانيين.
ومن التماثيل الطريفة تمثال للفنانة سعاد حسني الذي نحته ليظهر في فيلم “شيء من العذاب” على انه عمل حسن يوسف في دور الفنان التشكيلي في الفيلم، والتقى بالفنانة في عدة جلسات مع الفنانة لعمل التمثال ولم ينفذه كتمثال تقليدي بل نفذه برؤيته وبأسلوبه ومدرسته.
كانت رحلته الأخيرة إلى اسبانيا في أكتوبر 1977 للمشاركة بأعماله في معرض عالمي هناك حيث لاقى ربه بشكل مفاجئ.
كان الفنان الكبير رحمه الله نموذج لابن البلد فهو من حي باب الشعرية وتنتسب اسرته الى شيخ الازهر الثامن الشيخ عبد الرؤوف السجيني، وتميز بالتقشف والتواضع والبساطة حتى في بيته، اما زوجته رحمها الله فكانت رائعة في قربها الشديد من طبيعته في البساطة رغم أصلها الارستقراطي فوالدها هو يوسف كامل استاذه في كلية الفنون.
لم يتبق لي سوى أن اترحم على ابنه صديقي أو “مادو” كما كنا نناديه.