السعودية وباكستان.. عودة مشوبه بالحذر بعد خلافات دامت لعامين
الرياض – الأمة: قالت أوساط خليجية إن زيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان إلى السعودية واستقباله على مستوى عال لا يعني أن الأمور ستعود إلى نصابها كما كانت من قبل، وأن القيادة السعودية تريد اختبار مدى جدية خان في العودة ببلاده كحليف استراتيجي حقيقي للمملكة بعد الهزات التي عرفتها العلاقات الثنائية منذ استلامه رئاسة الحكومة في 2018.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن السعودية تريد عودة قوية للعلاقة مع باكستان، لكنّ الأمر متروك إلى خان إن كان سيقدر على الالتزام بهذا التحالف والتوقف عن اللعب على حبال متعددة خاصة ما تعلق بالتحالف مع إيران وتركيا في سياق مسار ابتزاز السعودية والضغط عليها لضخ المزيد من الأموال والاستثمارات لحكومته دون أيّ التزام بمواقف داعمة لها في القضايا الإقليمية الخلافية.
ولفتت إلى أن القيادة السعودية قد قطعت مع مسار سابق يقوم على إغداق الأموال على دول إسلامية، وعلى رأسها باكستان، دون مقابل، وأن الاستراتيجية الحالية تقوم على معادلة واضحة وهي تبادل المصالح والدعم المالي مقابل المواقف الواضحة في القضايا الإقليمية، وهي المعادلة الصعبة التي وجدها خان أمامه في الرياض، إذ لا يمكن أن يكون حليفا للسعودية وتكون مواقفه أقرب إلى إيران في موضوع اليمن، أو خادما لخطط تركيا في بناء منظمة إسلامية مناوئة لمنظمة التعاون الإسلامي بهدف استهداف الزعامة الإسلامية للسعودية.
واستقبل وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان المسؤول الباكستاني والوفد المرافق له عند سلّم الطائرة، ثم اصطحبه إلى الديوان الملكي بقصر السلام حيث عقدا جلسة محادثات وجرى التوقيع على عدد من الاتفاقيات.
وذكرت وكالة الأنباء الحكومية السعودية أنه جرى خلال اللقاء “التأكيد على عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين وأهمية توسيع وتكثيف آفاق التعاون والتنسيق الثنائي وتعزيزه في مختلف المجالات”.
ولا يعرف إلى الآن ما هي التعهدات التي قدمها خان خلال الزيارة إلى القيادة السعودية بشأن مراجعة مواقفه السابقة، وهل أن الرياض ستأخذها على محمل الجد وتمكّن رئيس الوزراء الباكستاني من الدعم اللازم الذي يريده لمواجهة الأزمة الاقتصادية والصحية.
وتصدّعت العلاقات السعودية – الباكستانية قبل ست سنوات عندما قررت إسلام أباد الانسحاب من التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، مما أثار حفيظة القيادة في الرياض ودفعها إلى مراجعة حجم التعاون بين البلدين والمضيّ نحو مقايضة أيّ دعم بمواقف واضحة من باكستان في مختلف الملفات.
ويحرص خان على إظهار إعجابه بسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويمتدح كل ما يتعلق بتركيا حتى أنه صار أحد أكبر المعجبين بالمسلسلات التي تضخم الماضي العثماني خدمة لأجندات أردوغان التوسعية في المناطق ذات الأصول التركية، وهو إعجاب مدعوم من قطر التي تعمل على إبعاد إسلام أباد أكثر عن الرياض.
وبسبب تلكؤ باكستان في المساهمة في حرب اليمن، وقبلها في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، ومشاركتها في قمة كوالالمبور، انطلقت السعودية في مساعيها لتوثيق العلاقات الاقتصادية وزيادة التعاون العسكري مع دول جنوب آسيا الأخرى، بما في ذلك الهند، عدوّ باكستان اللدود.
وازدادت التوترات في أغسطس 2020 عندما حذّر وزير الخارجية الباكستاني شاه محمود قريشي من بحث إسلام أباد عن دعم إقليمي في مكان آخر إذا لم تقم السعودية بالدعوة إلى عقد اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي بشأن كشمير.
وأثار التعليق غضب الرياض التي رأت فيه تحذيرا من أن باكستان تستعد للدعوة لعقد اجتماع لدول إسلامية خارج منظمة التعاون، وبالتالي محاولة لتقويض قيادتها للمنظمة الإسلامية المكونة من 57 عضوا.
واستجابت الرياض للتهديد بسحب القرض الميسّر بقيمة 3 مليارات دولار وعدم تجديد ائتمان النفط والغاز البالغ 3.2 مليار دولار، وهي مزايا حصل عليها خان خلال مشاركته في منتدى “دافوس الصحراء” في 2018 بالسعودية.
وقبل مغادرته لهذا المنتدى الدولي، الذي تزامن مع ذروة قضية الصحافي السعودي جمال خاشقجي وقاطعته شركات ودول غربية، أعرب خان عن قلقه بشأن مقتل خاشقجي، لكنه أضاف أن باكستان هي في أمسّ الحاجة للحصول على قرض سعودي، في تناقض قال متابعون وقتها إنه يعبر عن انتهازية لا حدّ لها لرئيس الوزراء الباكستاني.
وحمل حضور خان قمة ديسمبر 2018 في كوالالمبور، والتي نظمتها أربع دول كانت علاقاتها سيئة مع المملكة العربية السعودية (تركيا وماليزيا وإيران وقطر)، المزيد من التوتر مع الرياض، ما اضطره للانسحاب في اللحظة الأخيرة بعد أن حذّرته المملكة من عواقب وخيمة.
وفي فبراير 2019 وصل وليّ العهد السعودي إلى إسلام أباد لتوقيع الحزمة الاقتصادية التي تفاوض عليها البلدان في مطلع 2018. ورغم ذلك،فإن انزعاج المملكة من القيادة الباكستانية كان يتفاقم خاصة بعد أن عرض خان التوسط للتوصل إلى هدنة سعودية – إيرانية.