تقارب حذر بين تركيا والإمارات.. ماذا بعد؟
كانت علاقات تركيا ببعض دول مجلس التعاون الخليجي ضعيفة حتى قبل اندلاع احتجاجات الربيع العربي في 2011، لكن لا توجد دولة أزعجت تركيا من بين دول مجلس التعاون بقدر ما فعلت الإمارات التي رسمت سياسة خارجية تتعارض في نواح كثيرة مع تلك الخاصة بتركيا.
وتصادمت مصالح أبوظبي وأنقرة في العديد من الصراعات الإقليمية، حيث رأت كل واحدة منهما الأخرى كمصدر تهديد ومسؤولة عن تأجيج الاضطراب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وأصبحت العلاقات الثنائية متوترة بشكل خاص في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا في 15 يوليو/تموز 2016، حيث اتهم المسؤولون الأتراك الإمارات بالتورط في هذه المحاولة الانقلابية.
منعطف فارق في العلاقات
بالرغم من تراكم الاحتكاكات والتوترات في العلاقات الإماراتية التركية، فقد زار مستشار الأمن القومي للإمارات “طحنون بن زايد آل نهيان” الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” في أنقرة في 18 أغسطس/آب، وناقش الاثنان الاستثمارات الإماراتية المحتملة في تركيا، وكذلك القضايا الإقليمية.
واعتبرت “سينزيا بيانكو”، الباحثة في شؤون الخليج في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أن هذا الاجتماع كان “أهم حدث تمر به العلاقات الإماراتية التركية منذ سنوات”، حيث إن “طحنون” هو المسؤول الرئيسي في بلده عندما يتعلق الأمر بالقضايا الحساسة المرتبطة بالسياسة الخارجية والاستخبارات الوطنية.
وتثير زيارة “طحنون” للعاصمة التركية أسئلة كبيرة حول إمكانية ذوبان الجليد في العلاقة بين البلدين. وقد تعززت هذه الفكرة بعد قيام المسؤولين الإماراتيين والأتراك بالتحدث بشكل متفائل عن العلاقات بين البلدين، بعد الاجتماع مباشرة.
فعلى سبيل المثال، غرد “أنور قرقاش”، المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي الشيخ “خليفة بن زايد آل نهيان”، أن “الاختلافات في وجهات النظر حول بعض القضايا لن تقف في طريق التواصل وتعزيز الفرص للاستقرار والازدهار والتنمية”، معتبرا أن اجتماع “أردوغان” بـ”طحنون” كان “تاريخيًا وإيجابيًا”.
كما أشاد مسؤول تركي رفيع المستوى في أنقرة بالاجتماع باعتباره “بداية عصر جديد” بين الإمارات وتركيا، وقال “أردوغان” نفسه إن العلاقات بين بلده والإمارات “تتحسن”.
لماذا الحوار الآن؟
لوحظت النغمة التصالحية في العلاقات بين أبوظبي وأنقرة منذ بداية العام، ففي يناير/كانون الثاني، صرح “قرقاش” بأن أبوظبي “ليس لها مشاكل معقدة مع تركيا مثل قضايا الحدود”، وبالتالي ليس هناك أي أساس لأي تعارض جيوسياسي بين الإمارات وتركيا، وفقًا لما يراه “قرقاش”.
ومثلت هذه اللهجة تباينا كبيرا عن كلمات “قرقاش” السابقة في أكتوبر/تشرين الأول 2020، عندما وصف الوجود العسكري التركي في قطر كـ”سبب رئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة”.
وبحلول مارس/آذار، أكد وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” أنه “لا يوجد سبب يدفع تركيا لتجنب إصلاح العلاقات مع الإمارات طالما أن الإماراتيين سيأخذون أيضا خطوة إيجابية”.
كما شكلت هذه الكلمات التي قالها “جاويش أوغلو” تغييرا عن خطابه في مايو/أيار 2020، عندما اتهم وزير الخارجية التركي الإمارات بـ”زعزعة الاستقرار” في الشرق الأوسط و”جلب الفوضى” إلى المنطقة، مشيرًا إلى السياسة الخارجية لأبوظبي إزاء ليبيا واليمن.
وحدث اجتماع “أردوغان” و”طحنون” في وقت تعيد فيه دول المنطقة ضبط سياساتها الخارجية. فبعد أن كانت حكومات الشرق الأوسط تتخذ سياسات عدائية ضد بعضها في السنوات الأخيرة، واجهت ضغوطا لحل مشاكلها في ظل الانسحاب الأمريكي من المنطقة.
ولم تحل جميع هذه الدول جميع الخلافات في المصالح والأفكار، ولكن يُحسب لهم أنهم فتحوا أبوابا للحوار لتهدئة التوترات والعثور على أرض مشتركة ما.
وبخلاف تحسن علاقات أنقرة مع مصر والسعودية خلال العام الماضي، فقد تجلى هذا التوجه في قمة العلا التاريخية في يناير/كانون الثاني 2021 التي أنهت حصار قطر، وبداية المحادثات السعودية الإيرانية في أبريل/نيسان 2021، وتواصل السعودية الحذر مع النظام السوري.
دوافع تركيا والإمارات
يمكن فهم دوافع تركيا في ضوء نفس العوامل التي دفعت الأتراك إلى اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات مع مصر والسعودية. ويُعزى ذلك بالأساس إلى الدافع الاقتصادي، فالاقتصاد التركي يواجه مشاكل كبيرة، وسوف ترحب أنقرة بمستويات أكبر من الاستثمار من دول الخليج، بما في ذلك الدول التي أزعجها دعم تركيا لقطر طوال الحصار الذي امتد 43 شهرا.
ولدى المسؤولين في أنقرة أيضا بعض المخاوف بشأن معاناة بلادهم من العزلة النسبية خلال فترة يواجه فيها تحالف تركيا مع الولايات المتحدة تحديات صعبة، لهذا تحرص أنقرة على تحسين علاقاتها مع دول المنطقة.
من جانبها، فإن الإمارات لديها أيضًا أسبابها الخاصة التي تدفعها للقلق بشأن موقفها في المنطقة والذي يمكن تعزيزه بعلاقات أفضل مع تركيا.
وقال “يوسف إيريم”، المحلل الدفاعي والأمني في قناة ” TRT World”: “بدأت الإمارات في الاستعدادات لمرحلة ما بعد الانسحاب الأمريكي من المنطقة، وهذا الاتصال الأول مع أنقرة هو خطوة ذكية لتقليل اعتمادها على واشنطن”.
وخلال السنوات الأخيرة، أصبح شركاء واشنطن المقربون في الخليج متشككين بشأن الالتزام الأمريكي بأمنهم على المدى الطويل، وقد تفاقم ذلك بفعل الانسحاب الأمريكي الأخير من أفغانستان، والذي أدى لتشكك عالمي حول مدى هيمنة الولايات المتحدة.
ويبدو أن ديناميات مماثلة دفعت “طحنون” لزيارة أمير قطر الشيخ “تميم بن حمد آل ثاني” في الدوحة في 26 أغسطس/آب.
وبالنظر إلى مدى تدهور العلاقات الإماراتية القطرية منذ عام 2017، فإن قرار “طحنون” بزيارة العاصمة القطرية ولقاء أميرها كان علامة على أن أبوظبي تختبر التقارب مع الدوحة وكذلك أنقرة.
ماذا بعد؟
سيكون من الحمق التنبؤ بثقة بمستقبل علاقات أبوظبي وأنقرة، وما يزال يتعين رؤية النتائج الملموسة التي ستنجم عن اجتماع 18 أغسطس/آب واتصال “أردوغان” بولي عهد أبوظبي “محمد بن زايد”، حيث ما تزال هناك مستويات عالية من العداء وعدم الثقة التي تراكمت على مر السنين.
ونظرا للتراجع النسبي للهيمنة الأمريكية، برزت فراغات في النفوذ في أماكن مثل ليبيا، التي دعمت فيها الإمارات وتركيا الأطراف المتصارعة.
وفي سوريا، فعلت الإمارات الكثير لمحاولة إعادة دمج نظام “بشار الأسد” في المجال الدبلوماسي العربي، وهو شيء لن ترحب به أنقرة بالنظر إلى أن مخاوف الإمارات من أجندة تركيا كانت دافعًا كبيرًا خلف جهودها في تعزيز النظام السوري.
وسيتطلب إصلاح العلاقات الثنائية مزيدا من المشاركة والحوار بين البلدين اللذين يحكمهما قيادات تنظر إلى الشرق الأوسط من خلال عدسات أيديولوجية مختلفة للغاية.
وتتجلى هذه الاختلافات بشكل خاص فيما يتعلق بالمسائل المرتبطة بالدور المناسب الذي يلعبه الإسلاميون في النظم السياسية للدول العربية، حيث إن أنقرة لديها سياسة خارجية صديقة لجماعة “الإخوان المسلمين” بينما تعتبرها أبوظبي منظمة إرهابية.
ومع ذلك، يمكن أن يساعد التقارب الإماراتي التركي في تعزيز الاستقرار الإقليمي، وبالتالي ينبغي تشجيعه من قبل جميع الأطراف بما في ذلك واشنطن.
أما بالنسبة لعلامات نجاح الاجتماع بين “طحنون” و”أردوغان” والاتصال بين “بن زايد” و”أردوغان”، فيمكن أن تتجلى في استثمارات إماراتية جديدة في تركيا، وتهدئة الخطاب القاسي المتبادل في وسائل إعلام البلدين، واجتماع بين “أردوغان” و”بن زايد”.