طالبان تستعيد إمارتها.. أليست هناك مؤامرة؟.. فاروق يوسف

 

فاروق يوسف

بعد عشرين سنة من الغزو الأميركي لأفغانستان تعود الأمور إلى ما كانت عليه قبل الغزو. ما معنى كل ذلك العبث بحياة الشعوب؟ وعام 2001 أسقطت الولايات المتحدة حكومة طالبان في كابول. أُزيلت الدولة ولم تتهدم حركة طالبان، جوهر تلك الدولة.

أسست قوات الاحتلال قاعدة لديمقراطية صناديق الانتخابات من غير أن تفضي تلك الديمقراطية إلى قيام نظام أفغاني سياسي جديد يحظى برضا الأغلبية، أفضت تلك الانتخابات إلى اختيار حكومات غير قادرة على الدفاع عن وجودها أمام الخطر العظيم الذي تمثله حركة طالبان، عادت أفغانستان يومها إلى سنوات الجهاد التي اختلطت فيها الحرب على قوات الاحتلال الأجنبي بالحرب الأهلية.

حرب الإخوة الأعداء هي تلك الحرب التي لم تكن قائمة على قاعدة واضحة. لا صداقة دائمة. لا عداء دائما. وهو المنطق الذي رضخت له القوات الأميركية أيضا.

ليست تلك السنوات العشرون التي مضت سنوات عداء كلها. ولو تمكن الأفغان يوما ما من قول الحقيقة لقالوا أشياء هي أشبه بالخيال، واحدة من أهم نتائج ذلك الغزو أن الجماعات الإرهابية التي وجدت في أفغانستان مأوى آمنا لها برعاية طالبان حزمت أمتعتها ورحلت.

في البدء استقبلتها إيران التي كانت ممرا إلى سوريا حيث قام النظام السوري بتصديرها إلى العراق حين فتح الأميركيون حدوده، كان تنظيم القاعدة في مقدمة تلك التنظيمات، وكان مُرحبا به أينما ذهب وكان الأميركيون على علم بكل تحركاته. وفي ذلك ما يشكل علامات استفهام كثيرة تعيدنا إلى العلاقة الملتبسة بطالبان.

كان الخلاف المعلن بين طالبان والولايات المتحدة يتعلق بطلب الأخيرة تسليم أسامة بن لادن كونه العقل المدبر كما قيل لهجمات الحادي عشر من سبتمبر التي سميت بغزوة نيويورك.

كانت غزوة كابول الرد المباشر على غزوة نيويورك. هل يُعقل أن تساوي دولة عظمى نفسها بجماعة إرهابية لا وزن ولا وطن مؤكدا لها؟ ذلك ليس السؤال الموجع.

كانت المخابرات الأميركية على معرفة بكل شاردة وواردة في ملفات حركة طالبان التي تأسست في باكستان برعاية المخابرات الباكستانية. فهل علينا أن نصدق أن تلك الجماعة المتخلفة قد تمردت على المخابرات الأميركية التي لم تفصح حتى اللحظة عن تفاصيل ذلك الخلاف الذي أنهى حكما يعود بأفكاره وكل شرائعه إلى العصور المظلمة؟

ساهمت الولايات المتحدة في الحرب على الروس في أفغانستان وحين هُزم المحتل الروسي كانت لها مساهمة في الحرب الأهلية وهي التي مهدت الطريق أمام طالبان لتسقط الجميع وتقيم ولايتها التي حلت محل دولة أفغانستان. تلك الولاية التي لم يعترف بها أحد، ذلك لأنها لم تكن في انتظار الاعتراف العالمي الذي لا توليه الجماعات الإرهابية ومنها حركة طالبان أهمية تُذكر.

اللافت في الأمر أن الولايات المتحدة كانت حاضرة في كل منعطفات المسألة الأفغانية وليس لنا الحق هنا أن نفترض أن خيوطا من تلك المسألة فلتت من يدها ووقعت بيد طالبان حيث استقوت الحركة عليها.

الأقرب إلى المنطق أن الولايات المتحدة استعملت حركة طالبان عنصر جذب للحركات الإرهابية التي دخلت طوعا إلى قفص أفغانستان الذي وزعها في ما بعد حسب الحاجة والمصالح الأميركية ولم تكن مصادفة أن وضعت إيران كل خبرتها في خدمة الأميركيين.

لقد اكتشفت إيران أن مشروعها التوسعي في المنطقة لا يمكن أن ينجح إلا بوجود قوة غير وطنية تقاومه وفي الوقت نفسه تنغمس في ممارسة العنف في حق المدنيين. قوة إرهابية تهب لغزوها الطائفي نوعا من الشرعية.

لذلك احتضنت إيران كل التنظيمات الإرهابية التي تفرخت عن تنظيم القاعدة وكان للنظام السوري دور مهم في تبني تلك التنظيمات التي تحولت في ما بعد إلى أدوات لذبحه.

كل الجماعات الإرهابية التي قاتلت في سوريا والتي يُقال إن عددها زاد على الأربعمئة جماعة كانت بطريقة أو بأخرى نتاج التنظيمات التي رعاها النظام السوري وصدرها إلى العراق ليقوم بدوره المطلوب أميركيا وهو ما لن تقابله الولايات المتحدة في ما بعد بشيء من الامتنان، بل على العكس من ذلك تماما فقد تمت إعادة تصدير تلك الجماعات بعد أن أعيد تغليفها وتزيينها إلى سوريا كما لو أنها من نتاج الحاضر السوري.

ابتعدتُ عن أفغانستان ولكنني في الحقيقة لم أبتعد، قبل عشرين سنة غزت القوات الأميركية أفغانستان. اليوم ترحل عنها، قبل عشرين سنة سقطت دولة طالبان. اليوم تقترب طالبان من استعادة دولتها. يُقال إنها أشهر وأنا أقول إنها أسابيع، ومع ذلك نصرّ على أن نظرية المؤامرة ليس لها وجود في ما يحدث من حولنا.

نقلا عن جريدة العرب .. فاروق يوسف كاتب عراقي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى